ولا يستوحش لفقده ، أنشأ الخلق إنشاءا (١) وابتدأه ابتداءا بلا روية أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها ، أجل الاشياء لاوقاتها ، (٢) ولام بين مختلفاتها ، وغر زغرائز ها ، وألزمها أشباحها ، عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها وانتهائها ، عارفا بقرائنها وأحنائها.
بيان : الفقرة الاولى إقرار بالعجز عن الحمد باللسان كما أن الثانية اعتراف بالقصور عن الشكر بالجنان ، والثالثة عن العمل بالاركان. والهمة : القصد والارادة ، وبعدها : علوها وتعلقها بالامور العالية أي لا تدركه الهمم العالية المتعرضة لصعاب الامور الطائرة إلى إدراك عوالي الامور والفطن بكسر الفاء وفتح الطاء جمع فطنة بالكسر : الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يرد عليه ، أي لا يصل إلى كنه حقيقته الفطن الغائصة في بحار الافكار.
قوله عليهالسلام : الذي ليس لصفته أي لا يدخل في صفاته الحقيقية حد محدود من الحدود والنهايات الجسمانية ، ويحتمل أن يكون الصفة بمعنى التوصيف أي لا يمكن توصيفه بحد ، ووصف الحد بالمحدود إما لان كل حد من الحدود الجسمانية فله حد أيضا كالسطح ينتهي إلى الخطو مثلا ، أو على المبالغة كقولهم : شعر شاعر ، ويمكن أن يقرأ على الاضافة وإن كان خلاف ما هو المضبوط ، ويمكن أن يكون المعنى : أنه ليس لتوصيفه تعالى بصفات كماله حد ينتهى إليه بل محامده أكثر من أن تحصى ، (٣) ولا يوصف أيضا بنعت موجود أي بالصفات الزائدة ردا على الاشعري ، وإنما قيد بقوله : موجود إذ لاضير في توصيفه بالصفات الاعتبارية والاضافية ، ويحتمل أن يكون
___________________
(١) وفى نسخة : أنشأ الخلق إنشاءا واحدا.
(٢) في النهج : آجال الاشياء لا وقاتها.
(٣) أو كان المعنى ـ كما حكى عن أبى الحسن الكندرى ـ بأن يؤول حد محدود على ما يؤول به كلام العرب : ولا يرى الضب بها ينحجر أى ليس بهاضب فينحجر ، حتى يكون المراد أنه ليس له صفة فتحد ، اذ هو تعالى واحد من كل وجه ، منزه عن الكثرة بوجه ما فيمنع أن يكون له صفة تزيد على ذاته ، كما في سائر الممكنات ، وصفاته المعلومة ليست من ذلك في شئ ، انما هى نسب واضافات لا يوجب وصفه بها كثرة في ذاته ، قال : ومما يؤكد هذا التأويل قوله بعد ذلك : فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه.