يكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها ، إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى ، أو لغير ذلك من الاسباب التي يعلمها مبدعها ومنشئها ، ويؤيده ما سيأتي من خبر ذي القرنين ، وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب السماء والعالم.
قوله عليهالسلام : وكمال معرفته التصديق به الفرق بينهما إما بحمل المعرفة على الاذعان بثبوت صانع في الجملة ، والتصديق على الاذعان بكونه واجب الوجود ، أومع سائر الصفات الكمالية ، أو بحمل الاول على المعرفة الفطريقة ، والثاني على الاذعان الحال بالدليل ، أو الاول على المعرفة الناقصة والثاني على التامة التي وصلت حد اليقين ، وإنما قال عليهالسلام : وكمال التصديق به توحيده لان من لم يوحده وأثبت له شريكا فقد حكم بما يستلزم امكانه فلم يصدق به بل بممكن غيره. (١) فمن وصف الله
___________________
(١) قوله : وكمال توحيده الاخلاص له أي وكمال توحيده جعله مختارا خالصا من الدنس ، وتنزيهه عن شوائب العجز والنقص ، وتقديسه عما يلحق الممكنات ويعرضها من التجسم والتركب وغيرهما من الصفات السلبية. وأما قوله : وكمال الاخلاص له نفى الصفات له يحتمل أن يكون المراد به نفى المعانى والاحوال قال ابن ميثم : وكمال توحيده الاخلاص له ففيها اشارة إلى أن التوحيد المطلق للعارف انما يتم بالاخلاص له وهو الزهد الحقيقى الذى هو عبارة عن تنحية كل ما سوى الحق الاول عن سنن الايثار ، وبيان ذلك أنه ثبت في علم السلوك أن العارف مادام يلتفت مع ملاحظة جلال الله وعظمته إلى شئ سواه فهو بعد واقف دون مقام الوصول ، جاعل مع الله غيرا ، حتى أن أهل الاخلاص ليعدون ذلك شركا خفيا ، كما قال بعضهم :
من كان في قلبه مثقال خردلة |
|
سوى جلالك فاعلم أنه مرض |
أقول : ما قلناه أظهر وأنسب ، وسياق الكلام تشهد بذلك. وقال في شرح قوله : نفى الصفات عنه بعد احتماله ما ذكرنا : قلت : قد تقرر في مباحث القوم بيان أن كل ما يوصف به تعالى من الصفات الحقيقية والسلبية والاضافية اعتبارات تحدثها عقولنا عند مقايسة ذاته سبحانه إلى غيرها ، ولا يلزم تركيب في ذاته ولاكثرة ، فيكون وصفه تعالى بها أمرا معلوما من الدين ليعم التوحيد ، والتنزيه كل طبقة من الناس ، ولما كانت عقول الخلق على مراتب من التفاوت كان الاخلاص الذى ذكره عليهالسلام أقصى ما تنتهى اليه القوى البشرية عند غرقها في أنوار كبرياء الله ، وهو أن تعتبره فقط من غير ملاحظة شئ آخر ، وكان اثباته عليهالسلام الصفة في موضع آخر وصفه في الكتاب العزيز وسنن النبوية اشارة إلى الاعتبارات التى ذكرناها ، اذ كان من هو دون درجة الاخلاص يمكن أن يعرف الله سبحانه بدونها انتهى.
وقال صدر المتألهين في شرح قوله عليهالسلام ذلك : أراد به نفى الصفات التى وجودها غيره