وظاهره كون الرؤية
بخروج الشعاع ، وإن أمكن أن يكون كناية عن تحقق الابصار
بذلك وتوقفه عليه ، فإذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو
أيضا
من شرائط الرؤية عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية بالبصر ، وكان في ذلك أي في كون
الهواء بين الرائي والمرئي الاشتباه يعني شبه كل منهما بالآخر يقال : اشتبها : إذا
أشبه
كل منها الآخر لان الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب
بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، ومشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما ، وكان
في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم
بمشابهة المرئي بالرائي من الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا
ذاصورة وضعية فإن كون الشئ في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه
وبين شئ آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ومتحيزا وذا وضع ، وهو المراد بقوله : لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات ، ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما
ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر وحاصله يرجع إلي ما ادعاه
جماعة من أهل الحق من العلم الضروري بأن الادراك المخصوص المعلوم بالوجه الممتاز
عن غيره لا يمكن أن يتعلق بماليس في جهة وإلا لم يكن للبصر مدخل فيه ، ولاكسب
لرؤيته بل المدخل في ذلك للعقل فلاوجه حينئذ لتسميته إبصارا ، والحاصل أن الابصار
بهذه الحاسة يستحيل أن يتعلق بما ليس في جهة بديهة ، وإلا لم يكن لها مدخل فيه ، وهم قد جو زوا الادراك بهذه الجارحة الحساسة ، وأيضا هذا النوع من الادراك يستحيل
ضرورة أن يتعلق بما ليس في جهة ، مع قطع النظر عن أن تعلق هذه الحاسة يستدعي
الجهة والمقابلة. وماذكره الفخر الرازي من أن الضروري لا يصير محلا للخلاف ، وأن
الحكم المذكور مما يقتضيه الوهم ويعين عليه ، وهو ليس مأمونا لظهور خطائه في الحكم
بتجسم الباري تعالى وتحيزه ، وما ظهر خطؤه مرة فلا يؤمن بل يتهم ففاسد لان
خلاف بعض العقلاء في الضروريات جائز كالسوفسطائية والمعتزلة في قولهم بانفكاك
الشيئية والوجود وثبوت الحال ، وأما قوله : بأنه حكم الوهم الغير المأمون فطريف
جدا لانه منقوض بجميع أحكام العقل ، لانه أيضا مما ظهر خطؤه مرارا ، وجميع