بالتضييق عليهما حتى في الطعام والشراب ، فمكثا في الحبس سنة فقال أحدهما للآخر : لقد طال الحبس بنا ويوشك أن تفنى أعمارنا ، فاذا جاء الشيخ ، فأعلمه بمكاننا من رسول الله لعله يوسّع علينا.
ولما جاء الرجل سألاه هل تعرف محمد بن عبدالله؟ قال : هو نبيي. ثم سألاه عن جعفر الطيار ، قال : إنه الذي أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة. فسألاه عن علي بن أبي طالب ، قال : إنه ابن عم رسول الله.
فقالا له : نحن من عترة رسول الله نبيك ، ومن أولاد مسلم بن عقيل وقد ضيّقت علينا حتى في الطعام والشراب.
فانكبّ الرجل عليهما يقبّلهما ، ويعتذر من التقصير معهما مع مالهما من المنزلة من رسول الله ، ثم قال لهما : اذا جنّ الليل أفتح لكما باب السجن ، وخذا أيّ طريق شئتما ، ولما أن جاء الليل أخرجهما وقال : سيرا في الليل ، واكمنا في النهار حتى يجعل الله لكما من أمره فرجا.
فهرب الغلامان ، ولما أن جن عليهما الليل انتهيا الى عجوز كانت واقفة على باب دارها تنتظر ختنا لها ، فوقفا عليها وعرفاها بأنهما غريبان من عترة رسول الله لا يهتديان الى الطريق واستضافاها سواد هذه الليلة.
فأدخلتهما البيت وقدّمت لهما الطعام والشراب فأكلام وشربا وباتا راجيين للسلامة ، واعتنق أحدهما الآخر وناما ، وفي تلك الليلة أقبل ختن العجوز وقد أجهده الطلب للغلامين وقص على العجوز هرب الغلامين من سجن ابن زياد ، وانه نادى عسكره من أتاه برأسيهما فله ألفا درهم.
فحذّرته العجوز من العذاب الأليم ، ومخاصمة جدهما محمد ، وأنه لافائدة في دنيا ولاآخرة معها ، فارتاب الرجل من هذا الوعظ ، وظن الغلامين عندها ، ولما ألح على أن تخبره بما عندها وهي كاتمة عليه أمرهما أخذ يفحص البيت عنهما فوجدهما نائمين ، فقال لهما : من أنتما؟ قالا : إن صدقناك فلنا الأمان؟ قال : نعم ، فأخذا عليه أمان الله وأمان رسوله ثم جعلا الله عليه شهيدا ووكيلا فأوقفاه على حالهما.
وعند الصباح أمر غلاما له أسود أن يأخذهما الى شاطئ الفرات ويذبحهما ويأتيه برأسيهما.
فلما أخذهما الغلام قالا له : يا أسود ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول