واشتدّ بهم الحر والعطش ولم يستطع الدليلان حراكا ولكن بأن لهما سنن الطريق فقالا لمسلم عليك بهذا السمت فالزمه لعلك تنجو ، وحيث أنه لم يسعه حملهما للتوصل الى النجاة لأنهما على وشك الهلاك وغاية ما وضح للدليلين العلائم المفضية الى الطريق لا الطريق نفسه ، ولم تكن المسافة بينهم وبين الماء معلومة وليس لهما طاقة على الركوب بأنفسهما ولا مردفين مع آخر وبقاء مسلم عليهالسلام معهما إلى منتهى الأمر يفضي الى هلاكه ومن معه فكان الواجب المؤكد التحفظ على النفوس المحترمة بالمسير لادراك الماء فلذلك تركهما في المكان (٥).
ومضى على الوصف ومات الدليلان عطشا وأفضى مسلم إلى الماء فأقام به وهذا الموضع (٦) يعرف بالمضيق من بطن الخبت (٧).
وكتب الى الحسين عليهالسلام مع رسول استأجره من أهل هذا الموضع يعرفه خبر الدليلين وأنه ينتظر أمره.
وهنا نستفيد منزلة عالية لمسلم في التقوى والورع في أمر الدين وأنه لا يتخطى رأي حجة الوقت في حله ومرتحله وإنما كتب الى إمامه بهذه الحادثة لأنه احتمل أن يكون هذا الحادث يغير رأي الإمام فتوقف عن المسير ليرى ما عنده ويكون على بصيرة في إنفاذ أمره.
ولما قرأ السبط الشهيد كتاب مسلم أمره بالمسير الى مقصده تعريفا بأن هذه الأحوال لا تغير ما عزم عليه من إجابة طلب الكوفيين وقد ملاؤ الأجواء هتافا بأنهم لا إمام لهم غيره ينتظرونه ليقيم ودهم فلو لم يجبهم تكون لهم الحجة عليه يوم نصب الموازين والإمام المنصوب من قبل الله تعالى لا يعمل عملا يسبّب اللّوم عليه.
__________________
٥) استنبطنا ذلك مما يحمله مسلم من القدسية التي تمنعه من ترك الأولى فضلا عما يراد من الدين بل ما تقتضيه الإنسانية.
٦) الأخبار الطوال ص٢٣٢.
٧) في الطبري ج٦ ص١٩٨ ، وابن الأثير ج٤ ص٩ الخبيت بالخاء المعجمة والباء الموحدة ثم المثناة من تحت وبعدها المثناة من فوق ، وفي إرشاد الشيخ المفيد الخبت بالخاء المعجمة ثم الباء الموحدة وبعدها تاء مثناة من فوق ، وفي نص الأخبار الطوال ص ٢٣٢ الحربث بالحاء والراء المهملتين ثم الباء الموحدة وبعدها ثاء مثلثة وهو غير مراد قطعا لأن الحربث كما في تاج العروس ومعجم البلدان نبت طيب ، وأما ما في الإرشاد فيمكن إرادته لأنه في تاج العروس ج١ ص٦١٤ ذكر من معانيه المتسع من الأرض والوادي العميق الوطيء ينبت العضاة وقرية لزبيد في البر مشهورة وماء لكلب كما أن الأول يمكن ارادته لأن الخبيت كما في معجم البلدان والمعجم مما استعجم للبكري ماء لبني عبس وأشجع يقع في العالية وهي الحجار وفي المستعجم أنه موضع على بريدين من المدينة.