هذا النبي العظيم الذي أنقذ الأمة من حيرة الجهالة إلى نور الحق والعدالة ، لم يسأل أمته أجراً على جهوده وجهاده طيلة ثلاثة وعشرين عاماً ، سوى مودة أهل بيته ، كما قال تعالى : ( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١).
وأقرب الناس إليه هم أهل بيته : ( علي وفاطمة والحسن والحسين ) الذين جللهم بالكساء ، وفيهم نزلت آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٢) ، وعرفوا بأهل الكساء ، وقد روى أبو بكر خبر الخيمة التي ضربها عليهم النبي أمام المسلمين وقال : ( رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيّم خيمة وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : معاشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، وليّ لمن والاهم ، لا يحبّهم إلّا سعيد الجدّ طيّب المولد ، ولا يبغضهم إلّا شقي الجدّ رديء الولادة ) وقد مر هذا برواية المحب الطبري فراجع النص الثامن.
فماذا كان الموقف المحزن المخزي من المسلمين أزاء أهل بيته أولئك ؟ ومَن هو أول من أسس أساس الظلم عليهم ، وبنى عليه بنيانه ؟ ألم يكن أبو بكر هو الذي قال لعمر : إئتني به ـ بعلي ـ بأعنف العنف ؟ ألم يكن هو الذي قال لعمر : فإن أبوا فقاتلهم ؟
ألم يكن هو الذي ندم بعد ما اقترف في حق أهل البيت ، وذلك عند حضور أجله ، فقال في مثلثاته وقد مرّ ذكرها وذكر مصادرها وفيها : ( ليتني لم أكشف عن بيت فاطمة وإن اشتمل على حرب ).
ألم يكن هو الذي كان ينضض بلسانه عند موته ويقول : ( هذا الذي أوردني الموارد ) ؟
_____________________
١ ـ الشورى : ٢٣.
٢ ـ الأحزاب : ٣٣.