ونحن لم نقبل إمكان مثل هذا التخيير في المقامين حتى إذا أرجعنا الشقين إلى متباينين عن طريق أخذ بشرط لا وبشرط شيء. لأن هذا انما يعقل فيما إذا كان هناك شق ثالث على تقدير وجود ذات الأقل ، أي أمكن تحقيق ذات الأقل من دون القيدين معا ، كما في التخيير بين التسبيحة الواحدة بشرط لا عن أي تسبيحة أخرى وبين ثلاث تسبيحات فانه يمكن انتفائهما معا مع وجود ذات الأقل وذلك بإتيان تسبيحتين ، واما لو خير بين التسبيحة الواحدة بشرط لا عن الثالثة وبين التسبيحة بشرط الثلاث فلا يمكن التخيير أيضا ، وذلك لأن الأمر الضمني بالقيدين اللذين أحدهما ضروري الوجود والتحقيق على تقدير تحقق ذات الأقل ، لغو صرف ، فلما ذا يؤمر به؟ وما نحن فيه وكذلك باب المطلق والمقيد من هذا القبيل (١).
واما المنهج الاستظهاري فيمكن ان يبين بعدة تقريبات.
التقريب الأول ـ ان دليل الأمر الاضطراري ظاهر في التصدي لبيان تمام ما هو وظيفة المكلف فلو لم يكن الفعل الاضطراري وحده كافيا في هذا المقام وكان لا بد عليه ان يعيد العمل إذا ارتفع عذره بعد ذلك لكان ينبغي ان يبينه ، وهذا يشكل بحسب الحقيقة إطلاقا مقاميا في دليل الأمر الاضطراري يقتضي الاجزاء.
الا ان هذا الإطلاق انما ينعقد فيما إذا كانت هناك قرينة خاصة في دليل الأمر الاضطراري على كون المولى بصدد بيان كل ما هو وظيفة المكلف والا فمقتضى الطبع الأول لدليل الأمر الاضطراري انه في مقام بيان الوظيفة حين الاضطرار لا كل الوظائف الفعلية عليه.
على أن هذا الإطلاق المقامي معارض مع إطلاق دليل الحكم الاختياري ،
__________________
(١) كما يعقل في التخيير العقلي أن يكون الجامع منتزعا عن الأقل بحده والأكثر بحده كما في مثل الكلمة والكلام الّذي هو اسم للجامع بين الحرف الواحد والحرفين أو الكلمتين والأكثر بنحو يكون في مورد تحقق الأكثر ذلك الجامع منطبقا على الأكثر بحده ولا ينطبق على الأقل الموجود في ضمنه ، كذلك يمكن في التخيير الشرعي افتراض ان الغرض والملاك المولوي متقوم بالأقل بحده والأكثر بحده فيخير المولى بينهما ولا يقال ، ان الأمر الضمني بالحدين اللذين لا ثالث لهما لغو ، لأن هذا هو الّذي فيه الملاك لا ذات الأقل ، ولا يشترط في الأوامر الضمنية تحركا مستقلا عن التحرك نحو المتعلق الاستقلالي كما انه لا يتعدد بها الأمر ليكون جعلا زائدا فيكون لغوا. على أنه يكفي في دفع مثل هذه اللغوية انه من بركات هذا الأمر الضمني إمكان الامتثال بالفعلين معا ( الأكثر ) وبهذا يثبت بطلان البرهان الثبوتي الّذي ذكرته مدرسة المحقق النائيني ( قده ) في المقام أيضا.