ويكون معونة على الحق والباطل فلا بأس بصناعته وتعليمه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد من تقوية معونة ولاة الجور ، وكذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي قد تصرف الى جهات الصلاح وجهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليها فلا بأس بتعليمه وتعلمه واخذ الاجر عليه وفيه العمل ، والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ، و محرّم عليهم فيه تصريفه الى جهات الفساد والمضار ، فليس على العالم والمتعلم اثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم به وبقائهم ... ) (١). ويستفاد من هذه الروايات جميعاً ، ان الاصل في العلوم الاجتماعية والتجريبية والدينية ، هو بناء النظام الاجتماعي ، وبناء الفرد بشكل يجعله مرتبطاً بالخالق سبحانه ، اولاً. وقادراً على تأدية التكاليف الشرعية ، ثانياً. وقادراً على اشباع حاجاته الاساسية ، ثالثاً.
وقد شجع الاسلام استخدام العقل بما يتناسب مع الاطار الفكري التي جاءت به الشريعة الاسلامية. فقد ميزت الشريعة بين العلوم الضارة والعلوم النافعة ، فاجازت وشجعت على تعلم وتعليم العلوم النافعة ، ومنعت تعلم العلوم الضارة. واشارت الى ان العلوم النافعة ، هي التي تدفع المفاسد ، وتجلب المصالح للناس. فاذا كان من ثمرة علوم الهندسة المدنية مثلاً ، بناء السدود التي تسيطر على مستويات كميات الماء في الاوقات الاستثنائية ، فان الاسلام يشجع الافراد على تعلمها واتقانها ، والابداع في تطويرها بما يتناسب مع حاجة الافراد في النظام الاجتماعي. واذا كانت العلوم الطبية
__________________
(١) تحف العقول ص ٢٤٩.