العلم والتحصيل ! ولا نشك ان اللوم في هذا الفكر المتخلف يقع كلياً على السلطات السياسية المنحرفة التي حكمت الامة الاسلامية قروناً عديدة ، فسلبت من ايدي الفقهاء العدول كل ادوات السلطة التنفيذية ، وارادت للامة الاسلامية بجميع افرادها التخلف عن ركب العلم والحضارة ، حتى يتم لتلك الفئة المنحرفة السيطرة على مقدرات النظام الاجتماعي بشكل تام. ولا يحمل اصطلاح الفقهاء هذا غير معنى الاختصاص ، فسُمّي الفقهاء « علماءاً » لاختصاصهم بعلمي الفقه والاصول ، وسمي غيرهم « عواماً » لجهلهم علمي الفقه والاصول. ويكفينا ، لفهم موقف الاسلام من العلم وضرورة التعليم الجماعي للمسلمين ، ان نتذكر ما حصل في معركة بدر المظفرة من امر الرسول صلىاللهعليهوآله باطلاق سراح اسرى المشركين ، شرط أن يعلّم الاسير الواحد منهم عشرة مسلمين القراءة والكتابة.
ولا ريب ان التأكيد على التعليم الجماعي كان قد ورد في احاديث اهل البيت عليهمالسلام في القرن الاول الهجري. فالامام علي بن الحسين في رسالته الحقوقية يدعو بصراحة الى منح الافراد حق التعليم ، ويعلق هذا الحق بواجبات السلطة السياسية التي من مسؤوليتها بناء النظام الاجتماعي ، ويقول عليهالسلام : ( واما حق رعيتك بالعلم ، فان تعلم ان الله قد جعلك لهم قيماً اتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة ... فان احسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وان كنت منعت الناس علمك او خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقاً على الله عز وجل ان يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلك ) (١). ولكن تحديد المسار
__________________
(١) الخصال : ج ٢ ص ٥٦٧.