وغنيّ عن البيان أن الرَّحمة هنا عامة ، ومن أجلى مصاديقها مدّ يد العون للضعفاء وغير القادرين مادياً كالمساكين ، وبذلك تكون الدعوة إلى التراحم تصب في مجرى التكافل بطبيعة الحال ، ومن مصاديق ذلك قول الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّي لأرحم ثلاثة ، وحقّ لهم أن يرحموا : عزيزٌ أصابته مذلّة ، وغنيّ أصابته حاجة بعد الغنى ، وعالم يستخفّ به أهله والجهلة » (١).
فالإمام هنا يذهب إلى أبعد من التكافل المادي ، كما في حالة الغني الذي أصابته الفاقة ، فيرى ضرورة التكافل المعنوي مع العزيز الذي ألمّت به الذلّة ، والعالِم الذي يستخف به قرابته أو الجهلة المحيطون به. فهذا الحديث يفتح لنا أفقاً واسعاً حتى لا تضيق عدسة الرؤية لدينا فننظر فقط إلى التكافل في شكله المادي البحت ، بل علينا أن نولي عناية بالجانب المعنوي من التكافل ، ويطلق عليه بعض الباحثين تسمية « التكافل الأدبي » ، فهؤلاء يرون أن مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام واسع ، لا يقتصر على الجانب المادي ، بل يشمل التكافل الأدبي : وهو أن يشعر الإنسان باحترام الآخرين وحبهم له.
في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد ، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره ، فالقرآن وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات
________________
(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٩٤ / ٥٨٣٧ ، الخصال / الشيخ الصدوق : ٨٧ / ١٨.