ينشأ ـ تارة ـ عن مصلحة لزومية. وأخرى : عن مصلحة غير لزومية.
إذا تمّ ذلك ، فاعلم ان الصيغة إذا صدرت من المولى يحكم العقل بمجرد صدورها بلزوم امتثال التكليف والجري على طبقه ، قضاء لحق العبودية والمولوية ، إلاّ إذا صرح المولى بعدم لزوم الفعل وجواز الترك ، وقد قرّب هذا المعنى بوجه فلسفي لا نعرف ارتباطه. فلاحظه. وعلى كل فالذي يتخلص من مجموع كلامه : ان استفادة الوجوب انما هو من طريق حكم العقل بلزوم الإطاعة ولا يرتبط بعالم اللفظ والمستعمل فيه (١).
ولتحقيق الحق لا بد ان نتكلم في إمكان وجود الفرق بين الوجوب والاستحباب ثبوتا وإثباتا. فنقول : انه لا إشكال في ان صدور الصيغة الطلبية من المولى يختلف ثبوتا من حيث المبدأ والمنتهى ..
اما من حيث المبدأ. فلان الأمر وطلب الفعل انما يكون بلحاظ ما يترتب على الفعل من مصلحة ، وهذه المصلحة تختلف فقد تكون لزومية وقد تكون غير لزومية ، وباختلاف المصلحة من هذه الجهة تختلف الإرادة وتتفاوت شدة وضعفا ، فان إرادة الفعل الّذي تكون مصلحته لزومية تكون أشد من إرادة الفعل ذي المصلحة غير اللزومية ، ويكون الشوق إليه آكد ، وهذا أمر وجداني لا ينكر.
واما حديث ان الشوق ما لم يصل لحد تحريك العضلات لا يسمى إرادة ، ومع وصوله لا يقبل الشدة والضعف حينئذ. فهو ان سلم تام بالنسبة إلى الإرادة التكوينية دون الإرادة التشريعية ، إذ ليس في الإرادة التشريعية تحريك العضلات ، لأن الإرادة التشريعية إرادة الفعل من الغير فلا معنى لاستتباعها تحريك العضلات ، وإرادة الفعل من الغير يتصور فيها الشدة والضعف حسب اختلاف المصالح الموجبة لانقداح الإرادة. فما ذكر ـ منه قدسسره ـ من
__________________
(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٩٤ ـ الطبعة الأولى.