وبرهان ، ولم يذكر لها تقريب وتوجيه ، وذلك لا يكفي في إثبات المطلوب ، بل يمكن الإيراد فيه : بان الاخبار بالوقوع لا يكشف إلا عن إرادة الوقوع باعتبار المناسبة بينهما ، اما كون الإرادة بنحو خاص بحيث لا يرضى بتركه فلا دلالة للجملة على ذلك.
وقد قرّب ظهور الصيغة في الوجوب بتقريب دقيق حاصله : انه قد تقرر في علم الفلسفة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد ، بمعنى : انه ما لم توجد علته التامة المقتضية لضرورة وجوده ـ لعدم انفكاك المعلول عن العلة ـ لا يوجد الشيء فإذا أخبر بوجود الشيء وتحققه كان ذلك كاشفا عن ضرورة وجوده ولا بديته ، والمناسب لذلك في مقام الطلب هو الوجوب التشريعي والطلب الإلزامي ، فيدل الإخبار على الوجوب بالملازمة.
وأنت خبير بأن ما اعتمد عليه في إثبات دلالة الصيغة على الوجوب من القاعدة المحررة ، وهي ان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، ليس أمرا عرفيا واضحا ، بل هو أمر دقيق لا يدركه كل أحد بالإدراك البدوي ، فلا يمكن دعوى الظهور العرفي للفظ استنادا إلى ذلك.
فالأولى في تقريب ظهور الصيغة في الوجوب ان يقال : ان وقوع الفعل خارجا من المنقاد يلازم الوجوب والطلب الحتمي ، فان الطلب غير الحتمي لا يستلزم وقوع الفعل خارجا من المنقاد ، إذ يمكن ان يفعل ويمكن ان لا يفعل ، لأن عدم الفعل لا ينافي الانقياد لعدم الإلزام. فالإلزام والوجوب مستلزم وعلة لوقوع الفعل ، وعليه فالوجوب ملزوم ووقوع الفعل لازم ، فيكون اللفظ مستعملا في اللازم ويدل على الملزوم بالدلالة الالتزامية. فظهور الصيغة الخبرية الواقعة في مقام البعث في الوجوب بنحو الالتزام والدلالة الالتزامية ، لملازمة الوقوع للإرادة الحتمية.
ولعل نظر صاحب الكفاية في دعواه إلى ذلك فتأمل.