بلا تحقق المعلوم وثبوته ، ويمكن فرض ثبوت ذات المعلوم بلا ان يثبت العلم به. وعلى كل : فمتعلق الأمر متقدم طبعا على الأمر ، وقصد الأمر حيث أنه معلول الأمر يكون متأخرا عن الأمر تأخر المعلول عن العلة في الرتبة ، فان داعوية الأمر فرع وجود الأمر ، فأخذه في متعلق الأمر يستلزم أخذ المتأخر متقدما وفي رتبة سابقة عليه وهو خلف.
وقد أجاب عنه : بان قصد الأمر ليس معلولا للأمر بوجوده الخارجي بل للأمر بوجوده العلمي ـ فان ذلك مقتضى برهان السنخية بين المعلول والعلة ـ ، فقصد الأمر حيث أنه من الأمور النفسانيّة فيمتنع ان يؤثر فيه ما هو خارج عن دائرة النّفس وحيزها ، بل لا بد ان يكون المؤثر أمرا في حدود النّفس ، فيتعين ان يكون هو العلم بالأمر لا نفس الأمر ، فانه موجود خارج عن أفق النّفس. كما يعضده الوجدان ، فان القصد والدعوة انما تتحقق بعد الاطلاع على الأمر وانكشافه لا بمجرد وجوده خارجا ، ولو لم يطلع عليه ، نظير الخوف من الأسد ، فانه انما يحصل وتترتب عليه آثاره إذا علم بوجود الأسد في الدار ، ومع عدم العلم لا يكون للخوف أي أثر ، بل الإنسان يكون على استقراره النفسيّ وان كان الأسد موجودا في الدار حقيقة ، فهو متأخر عنه رتبة ، والأمر الّذي يفرض قصد الأمر في متعلقه هو الأمر بوجوده الخارجي فلا يلزم الخلف ولا الدور ، لأن ما هو متأخر عن قصد الأمر غير ما يكون قصد الأمر متأخرا عنه ، كما ان ما يكون متوقفا على قصد الأمر غير ما يكون قصد الأمر متوقفا عليه. فتدبر (١).
هذا توضيح ما أفاده المحقق الأصفهاني ، وقد عرفت انه لا يرتبط بمحذور الدور المزبور ، بل هو تقرير لمحذور آخر هو محذور الخلف. والسر في ذكرنا له مع جوابه مع انه تفسير لمطلب الكفاية وقد أشرنا إليه ، هو معرفة
__________________
(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ١٣١ ـ الطبعة الأولى.