الظاهر ان موضوع البحث هو الجهة الثانية لا الأولى ، إذ لا وجه لتوهم دلالة الأمر على لزوم التراخي وعدم جواز الفورية. ولا يخفى انه مع الحكم بعدم دلالة الأمر على لزوم الفورية ولا على جواز التراخي ـ كما ذكره صاحب الكفاية أولا ـ ، لا معنى لدعوى دلالة إطلاق الأمر على جواز التراخي ـ كما ذكره ثانيا ـ فانه لا يخلو عن ركاكة واضحة (١).
نعم لو كان موضوع البحث هو الجهة الأولى كان ما ذكر صحيحا ، إذ عدم دلالة الأمر بوجه من الوجوه على لزوم التراخي لا يتنافى مع دلالته بالإطلاق على جوازه. لكن قد عرفت ان البحث في الجهة الثانية.
الثانية : ما ذكره في مقام الإيراد على الاستدلال بآية المسارعة والاستباق على لزوم الفورية ـ بعد ان ذكر ظهور الأمر في الإرشاد إلى حسن المسارعة والاستباق لا الإلزام المولوي ـ بدعواه بعد التنزل عن ذلك بعدم كون الأمر إلزاميا ، بل هو استحبابي باعتبار انه لو كانت المسارعة والاستباق واجبين كان الأنسب بيان ذلك بذكر لازم الوجوب من ترتب العقوبة على المخالفة رأسا.
فان ما ذكره قد يكون مثار الإشكال بان هذا سار في جميع الأوامر الوجوبية ، لأن المقصود فيها بيان لزوم الفعل ، فاللازم على ما ذكره بيان الوجوب ببيان لازمه وهو لا يلتزم به. وإلاّ فما الفرق بين المقام وبين غيره.
والجواب عنه ـ كما قرر ـ : ان حسن المسارعة والاستباق إلى الخيرات حيث انه من الأمور المرتكزة في أذهان العرف بنحو الاستحباب وعدم اللزوم ، كان الكلام المتضمن للأمر بهما محمولا عندهم على ما هو مرتكز في أذهانهم لاستظهارهم جري الأمر على ما يرونه إلا ان تقوم قرينة خاصة معينة صارفة للكلام عما هو المرتكز ، وليس في المقام قرينة دالة على إرادة الوجوب سوى بيان
__________________
(١) يمكن ان يكون النّظر في موضع الكلام هو الظهور الوضعي للأمر في الفور وعدم ظهوره ، لا مطلق الظهور. فالتفت. ( منه عفي عنه ).