المقدّمة
منذ سنوات صباي الأولى ، كنت امتلأت حبّا لذلك الرجل الذي جاد به عدل السماء ليقتصّ من تلك الحثالة الشيطانية التي ارتكبت واحدة من أكبر وأعظم الجرائم في التاريخ البشري عموما ، وفي التاريخ العربي الإسلامي بوجه خاص. يوم العاشر من محرم عام ٦١ هـ (٦٨٠ م) ، بعد محاكمة ميدانية شهدها جمع كبير من أهل الكوفة ، تلك الحثالة التي تيبّست ضمائرها ، وأحاسيسها ، ومشاعرها الإنسانية ، إذ لم تكتفِ بقطع الرؤوس الملائكية ، وإنّما أمعنت وتمادت في جريمتها. إذ عمدت إلى التمثيل بالأجساد الطاهرة ورضِّها بحوافر الخيل ، ومن ثم سلبت كل مالها وما عليها حتى أرديتها نزعتها عنها ، لتقوم بعدئذٍ بنهب ما كان لأهلها ، وأحرقت الخيام التي كانت تأوي إليها النساء والأطفال وروّعتهم ، ثم مكثت تنظر إليهم بتشفٍّ لا يمكن للمرء أن يتصوره ، وإن استذكره لا يملك إلاّ أن يصبَّ لعناته وبلا توقف على أولئك المتوحشين ، وعلى من كان من ورائهم من سليلي الشيطان الأموي الجاهلي ، الذي أورث أبناءه وأحفاده كل آسن وعفونة الشرِّ وسواده.
أجل ، منذ تلك السنين ، وأنا أكنُّ لذلك الرجل قدرا عظيما من الحبّ كان يتصاعد في عنفوانه كلما تراءى للمخيلة هول المأساة ، وعظم الجريمة التي سفك مرتكبوها دماءا كانت تتدفّق إيمانا ويقينا بالولاء للّه الحق الواحد الأحد.
تلك الدماء التي شاء اللّه سبحانه ، أن يجعلها من بعد دفقا نورانيا يهتدي به الناس على مرِّ الأجيال.