وتقدم دفعه (١).
وتحقيق الكلام فيه : ان المراد من المنجزية.
ان كان استحقاق العقاب الّذي هو من مدركات العقل لا الشارع بما هو شارع ، فهذا غير قابل للإثبات شرعا ، إذ إثباته اما ان يكون بنحو الاخبار ، أو يكون بنحو الإنشاء والاعتبار. والأول لا معنى له بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
والثاني غير ممكن لأن الاستحقاق امر عقلي لا جعلي فلا يصح جعله شرعا.
وان كان المراد نفس العقاب الّذي يرجع إلى جعل الوعد بالعقاب ، وهو امر إنشائي يقبل الجعل شرعا. ففيه : ان جعل الوعد ان كان على مخالفة الأمارة فهو مما لا يلتزم به ، وان كان على مخالفة الواقع فهو كسائر الأدلة الدالة على ثبوت العقاب على فعل شيء أو تركه لا يصلح للبيانية ، بل هو كسائر أدلة الأحكام متكفلة لبيان الحكم بجعل العقاب ، كقوله تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) (٢) ، فيكون دليل الأمارة دليلا آخر على ثبوت الحكم الواقعي ، وذلك لا ينافي عدم تنجزه في صورة الجهل بالواقع كما لا يتنافى عدم تنجزه مع أصل ثبوته بدليله.
ودعوى : ان المفروض ان مورد الأمارة هو صورة الجهل بالواقع ، فإثبات العقاب في هذا الحال يصلح البيانية.
مندفعة : بان اختصاص الأمارة بصورة الجهل انما يلتزم به فيما كان مفاد دليلها التعبد بشيء ، إذ يلغو التعبد مع العلم. وليس الأمر على هذا التقدير
__________________
(١) راجع ٤ ـ ١٤٨ من هذا الكتاب.
(٢) سورة النساء الآية : ٩٣