ولا يخفى ان هذا الترديد والبحث لا يتأتى على مسلك المحقق الأصفهاني القائل بان حجية القطع ببناء العقلاء (١).
وانما يتأتى على المسلك الآخر القائل بان حجيته عقلية.
وقد عرفت انه ذكر للقطع حكمان : أحدهما : وجوب الاتباع ، والآخر : المنجزية بمعنى استحقاق العقاب على المخالفة.
والكلام يقع بلحاظهما معا بناء على ثبوتهما ـ وإلاّ فقد عرفت إنكار المنجزية فلا موضوع لإلحاق الاطمئنان بالقطع فيها ـ فنقول :
اما وجوب الاتباع : فهو في الحقيقة حكم منتزع عن حكمين أحدهما حسن الموافقة والآخر قبح المخالفة. اما حسن الموافقة : فموضوعه ذات الموافقة من دون دخل للعلم فيه ، ولذا يحسن الاحتياط مع الجهل بالواقع بلا كلام. وعليه فلا موضوع للبحث في إلحاق الاطمئنان بالعلم بلحاظ هذا الأثر ، لأنه ليس من آثار العلم.
واما قبح المخالفة : فلا يمكننا ان نقول بان موضوعه ذات المخالفة ، لضرورة وجود الأحكام الظاهرية ونصب الطرق الظاهرية حتى عند العرف ، وهو لا يتلاءم مع قبح ذات المخالفة لإمكان خطأ الطريق والأمارة ، مع انها معذرة بلا إشكال ، بل موضوعه اما المخالفة المعلومة [١] أو ذات المخالفة مع عدم الترخيص من المولى.
ولا يخفى انه انما يحسن البحث في ان الاطمئنان كالقطع أو كالأمارة بناء على الأول دون الثاني ، إذ الحكم بالقبح على الثاني ليس من آثار العلم ، بل من
__________________
(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٥ ـ الطبعة الأولى.
(٢) المقصود بالمخالفة التي قامت عليه الحجة ، فيقع الكلام ان القبح الثابت في مورد الاطمئنان هل هو بحكم العقل بحيث يترتب عليه هذا الأثر بنفسه ، كالعلم ، أو بتوسط جعل الشارع كالأمارة؟ ( منه عفي عنه ).