فبعث عزرائيل فقال : وأنا أعوذ بعزة الله أن أعصي له أمرا ، فقبض قبضة من أعلاها و أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها (١) ، فلذلك اختلفت أخلاقهم وألوانهم ، فمنهم الابيض والاسود والاصفر ، فقال له تعالى : ألم تتعوذمنك الارض بي ، فقال : نعم ، لكن لم ألتفت له فيها ، وطاعتك يا مولاي أولى من رحمتي لها ، فقال له الله تعالى : لم لا رحمتها كما رحمها أصحابك؟ قال : طاعتك أولى ، فقال : اعلم أني اريد أن أخلق منها خلقا أنبياء وصالحين وغير ذلك ، وأجعلك القابض لارواحهم ، فبكى عزرائيل عليهالسلام فقال له الحق تعالى : ما يبكيك؟ قال : إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق ، فقال : لا تخف إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل ، ثم بعد ذلك أمر الله تعالى جبرئيل عليهالسلام أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا ، فأقبل جبرئيل عليهالسلام ومعه الملاكة الكروبيون والصافون والمسبحون ، فقبضوها من موضع ضريحه وهي البقعة المصيئة المختارة من بقاع الارض ، فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم (٢) وماء التعظيم وماء التكريم وماء التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو ، فخلق من الهداية رأسه ، ومن الشفعة صدره ، ومن السخاء كفيه ، ومن الصبر فؤاده ، ومن العفة فرجه ، ومن الشرف قدميه ، ومن اليقين قلبه ، ومن الطيب أنفاسه ، ثم خلطها بطينة آدم عليهالسلام ، فلما خلق الله تعالى آدم عليهالسلام أوحى إلى الملائكة : ( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فحملت الملائكة جسد آدم عليهالسلام ووضعوه على باب الجنة وهو جسدلا روح فيه ، والملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود ، وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر ، ثم إن الله تعالى أمر الملائكة بالجسود لآدم عليهالسلام فسجدوا إلا إبليس لعنه الله ، ثم خلق الله بعد ذلك الروح وقال لها : ادخلي في هذا الجسم ، فرأت الروح مدخلا ضيقا فوقفت ، فقال لها : ادخلي كرها ، واخرجي كرها ، قال : فدخلت الروح في اليافوخ (٣) إلى العينين ، فجعل ينظر إلى نفسه ، فسمع تسبيح
_________________
(١) أى الينها.
(٢) تسنيم قيل : هو عين في الجنة رفيعة القدر ، وفسره في القرآن بقوله : ( عينا يشرب بها المقربون ).
(٣) اليافوخ واليأفوخ : الموضع الذى يتحرك من رأس الطفل ، وهو فراغ بين عظام جمجمته في مقدمتها وأعلاها لا يلبث أن تلتقى فيه العظام.