وبينه وظننتم أنه من أحباركم وما هو إلا الشيطان أغواكم ، ثم إن أبا سلمى عمد إلى إصلاح شأنه ، ورجع القوم إلى أماكنهم وقد امتلؤا غيظا على اليهود ، فأقبل هاشم إلى منزله واصلح الولائم (١) ، وأمر العبيد أن يحملوا الجفان المترعة باللبن ولحوم الضأن والابل ، ثم إن عمروا مضى إلى ابنته وقال لها : إن الرجل الذي يقول لك : إن هاشما لجبان قد نطق بالمحال ، والله لو لا أمسكته وأحلف عليه ما ترك من القوم واحدا ، فقالت : يا أبت امض معهم على كل حال ولا ملامة للآئم (٢) ، قال : فلما أكلوا ورفعوا أيديهم قال لهم أبوسلمى : يا معاشر السادات اصرفوا عن قلبوكم الغيظ وكل هم ، فنحن لكم وابنتنا هدية ، فقال له المطلب : لك ما ذكرناه وزيادة ، ثم قال : يا أخي هاشم أرضيت بما تكلمت به عنك؟ قال : نعم ، فعند ذلك تصافحوا ، ومضى أبوسلمى وأخرج من كمه دنانير (٣) ودراهم فنثر الدنانير على هاشم وأخيه المطلب ، ونثر الدراهم على أصحابه ، ونثر عليهم زرير المسك الاذفر ، والكافور والعنبر ، حتى غمر أطمارهم (٤) ، ثم قال : يا هاشم تحب الدخول على زوجتك هذه الليلة أو تصبر لها حتى تصلح لها شأنها (٥)؟ قال : بل أصبر حتى تصلح شأنها ، فعند ذلك أمر بتقديم مطاياها ، فركبوا وخرجوا ، ثم إن هاشما دفع إلى أخيه المطلب ما حضره من المال ، وأمره أن يدفعه إلى سلمى ، فلما جائها المطلب فرحت به وبذلك المال وقبلته ، وقالت : يا سيد الحرم وخير من مشى على قدم سلم على أخيك وقل له : ما الرغبة إلا فيك (٦) ، فاحفظ منا ما حفظنا منك ، ثم قالت : قل (٧) له ما أقول لك ، قال : قولي ما بدا لك ، قالت : قل لاخيك : إني امرأة كان لي رجل اسمه احيحة بن الجلاح (٨) الاوسي ، وكان كثير المال ، فلما تزوجته اشترطت عليه أنه متى أساء إلي
_________________
(١) في المصدر : فلما جلس هاشم وأخوه وأصحابه مضى عمرو إلى منزله وأصلح الولائم.
(٢) في المصدر : ولا تطمع ملامة اللائم.
(٣) وخرج وفي كمه دنانير خ ل ومثله ما في المصدر.
(٤) الاطمار جمع الطمر : الثوب.
(٥) في المصدر : حتى تصلح شأنها.
(٦) في نسخة وفي المصدر : الا فيه.
(٧) في المصدر : تقول له.
(٨) في المصدر : الحلاج.