ذلك اليقين الرافع للبراءة لا يدخله الشكّ ، فتأمّل.
وأمّا قوله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(١) فقد أعربوا الشهر مفعولاً فيه ، وحينئذ [ يكون ] خارجاً عمّا نحن فيه. قال الجزائري في آيات الأحكام : وربما يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة ، قال « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قول الله عزّوجلّ : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )؟ قال عليهالسلام : ما أبينها ، من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه » (٢) إذ الظاهر أنّه عليهالسلام قصد بيان جزء الآية. وقيل : نصب الشهر على أنّه مفعول به ، ويكون ذكر المريض والمسافر من قبيل المستثنى من عموم من شهد ، ولعلّ في ذلك دلالة على اعتبار قيد الصحّة في وجوبه على من شهد الخ (٣).
ولو بنينا على كون الشهر مفعولاً به كان من المشاهدة بالرؤية ، فيكون مساقه مساق « صم للرؤية » الذي عرفت أنّه في مقام أنّه لا يثبت إلاّبالرؤية. ولكنّه بعيد ، بل الظاهر هو الكناية عن الحضور كما هو صريح الرواية ، ويكون عدم الوجوب على المريض لأنّه مريض وإن كان حاضراً ، وعلى المسافر لأنّه غير حاضر ، ولا يكون المقام مقام استثناء ، بل هو بيان أحكام استقلالية ، غايته أنّه بالنسبة إلى الأوّل ـ أعني المريض ـ يكون من قبيل التخصيص بالمتّصل بالنسبة إلى عموم من كان حاضراً يجب عليه الصوم.
ومن ذلك يظهر لك الخدشة فيما قاله أبو البقاء ، فإنّه قال : ومفعول شهد محذوف أي شهد المصر ، والشهر ظرف أو مفعول به على السعة ، ولا يجوز أن
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٥.
(٢) وسائل الشيعة ١٠ : ١٧٦ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ٨.
(٣) قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر ١ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.