يكون التقدير فمن شهد هلال الشهر ، لأنّ ذلك يكون في حقّ المريض والمسافر والمقيم الصحيح ، والذي يلزمه الصوم الحاضر بالمصر إذا كان صحيحاً. وقيل :
التقدير هلال الشهر ، فعلى هذا يكون الشهر مفعولاً به صحيحاً لقيامه مقام الهلال. وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما : ما قدّمنا من لزوم الصوم على العموم ، وليس كذلك ، والثاني : أنّ شهد بمعنى حضر ، ولا يقال : حضرت هلال الشهر ، وإنّما يقال : شاهدت الهلال (١).
فإنّك قد عرفت أنّه يمكن أن يكون قوله : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ) ، بمعنى [ من ] رأى الهلال يجب عليه الصوم ، فيشمل المريض والمسافر والحاضر الصحيح ، ويكون قوله : ( وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ) الخ ، بمنزلة التخصيص بالمخصّص المتّصل ، فيخرج عن ذلك العموم المريض والمسافر.
أمّا إيراده الثاني وهو أنّ شهد بمعنى حضر ، ولا يقال حضرت الهلال ، ففيه : أنّ شهد ربما تتضمّن معنى الرؤية ، لا لأنّها بمعنى المشاهدة ، بل إنّ المشاهدة منها ، ومن ذلك قولهم : شهدت فلاناً يوم كذا وقد فعل كذا وكذا ، فإنّه بمعنى رأيت ، قال في المصباح : وشهدت الشيء اطّلعت عليه وعاينته (٢) وقال في تاج العروس مازجاً عبارته بعبارة القاموس : ( وشاهده ) مشاهدة ( عاينه ) كشهده (٣).
والشهادة أيضاً مأخوذة من ذلك على نحو التوسعة من المنظور إلى مطلق المحسوس ولو سماعاً ، بل ولو علماً بواسطة الاحساس بالسبب مثل الشهادة
__________________
(١) التبيان في إعراب القرآن ١ : ١٥٢.
(٢) المصباح المنير ١ ـ ٢ : ٣٢٤ / مادّة الشهد.
(٣) تاج العروس ٢ : ٣٩٣ / مادّة شهد.