الأوّل : أنّ القائل بأنّه ليس في باب الأحكام الشرعية إلاّ العلم بالصلاح ، لا يلزمه القول بكون الجمل الانشائية مثل ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) جملاً خبرية حاكية عن المصالح والمفاسد النفس الأمرية ، بل يمكنه القول بأنّها على حالها إنشاءات ، ولكنّها ليست مولوية ، بل هي إرشادات إلى ملاكات الأحكام العقلية ، التي لو اطّلع العقل عليها لكان ملزماً بالإقدام عليها وبالتنفّر منها ، أو مدركاً حسنها وقبحها.
الثاني : أنّ كون الأحكام التكليفية مجعولة لا يتوقّف على ثبوت الارادة في المبدأ الأعلى ، ولا في بعض المبادئ العالية ، بل إنّ نفس الأحكام الخمسة مجعولة ابتداء كالأحكام الوضعية ، ويتبعها البعث والزجر ، أو أنّ الأمر بالعكس.
الثالث : أنّ باب الانشاء قاطبة من بعث وزجر واستفهام وتمنّ وترجّ وبيع وتمليك ، كلّها من قبيل الجعل بالآلة والخلق والتكوين لما هو المجعول والمنشأ بإيجاده في عالم الاعتبار ، نظير إيجاد الفعل الخارجي كالقطع بالآلة القاطعة ، لا أنّ جميع ذلك من أفعال النفس ، وأنّ هذه الانشاءات حاكية عمّا في النفس أو أنّها إظهار لذلك ، وإلاّ لكانت إخباراً عمّا في النفس لا إنشاءً وإيجاداً ، وكيف توجد النفس البيع أم كيف ينوجد فيها ، ومتى تفعله وينوجد فيها ، هل ذلك قبل قوله بعت ، فيكون البيع متحقّقاً قبل قوله بعت ، ويكون قوله بعت إخباراً عمّا مضى ، أو أنّ ذلك حين قوله بعت ، وحينئذ تكون النفس في مرتبة قوله بعت قد عملت عملين في عرض واحد : عمل البيع وعمل الحكاية عنه ، فتكون ناظرة إلى البيع نظرين ، نظر الايجاد ونظر الحكاية.
الرابع : أنّ ما عن الكفاية (١) من أنّه ليس في المبدأ الأعلى إلاّ العلم
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢٧٧ ـ ٢٧٨.