الموضوع. ولو لم يكن لنا في السابق قطع بأنّ ذلك المائع خل ، بل قامت لنا أمارة على أنّه خل بالأمس ، ثمّ شككنا في بقاء خلّيته التي كان ثبوتها بالأمارة المذكورة ، جرت تلك الأمارة السابقة مجرى اليقين السابق في كونها مورداً للمنع عن نقض اليقين التعبّدي السابق بالشكّ اللاحق ، وترتّب على قيامها ما كنّا رتّبناه على ذلك اليقين السابق ، هذا كلّه في صورة انكشاف الخلاف في نفس ذلك الحكم الطريقي ، الذي هو إبقاء ما كان والأخذ ببقاء ذلك اليقين السابق تعبّداً.
وأمّا في صورة انكشاف الخلاف في نفس ذلك اليقين السابق ، بأن انكشف لدينا خمرية ذلك المائع الذي كنّا بالأمس قاطعين بأنّه خل وحصل لنا الشكّ في بقاء خلّيته وحكمنا ببقاء خلّيته ، على وجه حصل لنا بعد ذلك كلّه أنّ ذلك المائع كان خمراً من أوّل الأمر ، ونحن كنّا مخطئين في اعتقادنا بأنّه بالأمس خل ، بل كان هو من أوّل الأمر خمراً ، فذلك أمر آخر لا دخل له بما نحن بصدده ، بل هو راجع إلى موضوع الاستصحاب الذي هو اليقين السابق ، فإنّ هذا اليقين السابق هو موضوع النهي عن النقض بالشكّ ويجري فيه الاحتمالات الثلاثة ، فإنّ عدم النقض فيه إنّما هو باعتبار الأثر الشرعي المرتّب عليه ، وذلك الأثر تارةً يكون لاحقاً لذلك اليقين السابق بما أنّه طريق محض إلى الواقع المتيقّن ، بحيث لا يكون لليقين السابق مدخلية في ذلك الأثر سوى كونه طريقاً صرفاً إلى ذلك الواقع الذي هو موضوع ذلك الأثر ، وأُخرى يكون الأثر مترتّباً على نفس ذلك اليقين ، بحيث يكون اليقين موضوعاً لذلك الأثر على نحو تمام الموضوع ، وثالثة يكون على نحو جزء الموضوع.
ففي الصورة الأُولى يكون موضوع هذا الحكم الظاهري المتحصّل من قوله « لا تنقض » هو الواقع نفسه ، وبهذه الجهة يكون الاستصحاب قائماً مقام القطع