وليس المراد أنّ نفس قاعدة الطهارة التي جرت فيه في حال الشكّ الأوّل قاضية بطهارته في حال الشكّ الثاني ، كما ربما يتوهّم من عبارة السيّد ( سلّمه الله ) في تحريره وذلك قوله : فنفس الدليل الدالّ على الحلّية والطهارة في الآن الأوّل دالّ على بقائهما أيضاً إلى زمان العلم بارتفاعهما الخ (١) فإنّ جريان قاعدة الطهارة فيه في الشكّ الأوّل لا يكون قاضياً ببقائها إلى حال الشكّ الثاني ، إذ ليس ذلك إلاّ عبارة عن استصحاب تلك الطهارة الظاهرية ، بل المراد أنّه في الآن الثاني مورد لقاعدة الطهارة كما كان مورداً لها في حال الشكّ الأوّل ، فلو أردنا سحب الطهارة الظاهرية من الآن الأوّل إلى الآن الثاني بالاستصحاب ، لم يكن أثره إلاّ التعبّد ببقاء الطهارة الظاهرية في الآن الثاني ، وقد عرفت أنّ طهارته الظاهرية في الآن الثاني محرزة بالوجدان بواسطة كونه في الآن الثاني مورداً لقاعدة الطهارة ، كما أنّه في الآن الأوّل مورد لها ، وهذا معنى الاحراز التعبّدي لما هو محرز وجداناً.
ويمكن إبقاء عبارة تحرير السيّد ( سلّمه الله تعالى ) على ظاهرها ، بأن يقال : إنّ قاعدة الطهارة في حال الشكّ الأوّل عبارة عن الحكم على ذلك المشكوك بأنّه طاهر إلى أن يعلم نجاسته على وجه تكون الغاية قيداً للموضوع ، فيقال هذا المشكوك إلى أن يعلم نجاسته طاهر ، وحينئذ يدخل فيه حال الشكّ الثاني ، وبذلك يكون حال الشكّ الثاني داخلاً في موضوع القاعدة في الشكّ الأوّل ، وتكون النتيجة أنّه في حال الشكّ الثاني تكون طهارته الظاهرية محرزة بالوجدان ، وبه ينسدّ باب استصحاب الطهارة الظاهرية في حال الشكّ الثاني ، لكون ذلك من باب الاحراز التعبّدي لما هو محرز بالوجدان.
وهذا المعنى ـ أعني الاحراز التعبّدي لما هو محرز بالوجدان ـ جارٍ أيضاً
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٨٤.