ولو كان حدوث هذا العلم الاجمالي بعد الغسل مرّة ، جرى في حقّه استصحاب كلّي النجاسة ، ولا يكون أصالة عدم البول حاكمة عليه لما عرفت ، بل إنّ أصالة عدم البول بخصوصه لا تجري من جهة أنّه لا أثر لخصوص البول.
ومن ذلك يظهر لك أنّه يكون الأمر كذلك لو قلنا بوجوب غسل النجاسة إمّا مرّة أو مرتين ، لانحلال هذا العلم لكونه مردّداً بين الأقل والأكثر ، فلا يبقى إلاّ أثر كلّي النجاسة.
أمّا مسألة التردّد بين الحدث الأصغر والأكبر ، فإن قلنا بعدم وجوب الوضوء أو الغسل ، وإنّما هما رافعان لذلك الحكم أو الموضوع أعني الحدث ، جرى في حقّه بعد الوضوء استصحاب كلّي الحدث ، ويترتّب عليه أثره الذي هو حرمة مسّ المصحف مثلاً ، ولا يجري في حقّه أصالة عدم الأصغر ، لأنّه بمعنى نفي القدر الجامع معارض بأصالة عدم الأكبر ، وبمعنى نفي خصوص الأصغر لا أثر له. نعم يجري في حقّه ـ مضافاً إلى استصحاب كلّي الحدث ـ أصالة عدم الأكبر بخصوصه لنفي أثره الخاصّ به وهو حرمة اللبث في المساجد ، إلاّ أن يقال إنّهما لا يجتمعان لكونهما إحرازيين ، وإليه أشار صاحب الدرر قدسسره بقوله : ثمّ إنّك قد عرفت أنّ إجراء الأصل في الكلّي لا يثبت الفرد وإن كان ملازماً له ، لأنّ هذه الملازمة ليست شرعية ، وحينئذ فلو كان للفرد أثر خاصّ ينفى بالأصل ، إلاّ إذا كان للفرد الآخر أيضاً أثر خاصّ فيتعارض الأصلان. وكذا لو علم أنّ الحكم ببقاء الكلّي في الأثر والحكم بعدم الفرد كذلك ممّا لا يجتمعان في مرحلة الظاهر أيضاً (١) لكونهما إحرازيين لا يجتمعان مع العلم بالخلاف في أحدهما ، لكن هذا الإشكال جارٍ في جميع الأُصول المثبتة ، فإنّ استصحاب الحياة لا يجتمع مع أصالة عدم
__________________
(١) درر الفوائد ١ ـ ٢ : ٥٣٦.