الارتفاع كما يظهر من الأُستاذ العراقي قدسسره في درسه وفي مقالته (١) ، ومثله جارٍ في جميع موارد الشبهات المفهومية ، مثل تردّد العدالة بين ترك مطلق الذنوب صغيراً وكبيراً ، أو كونها عبارة عن ترك خصوص الكبائر ، وتردّد الكرّ بين ما يزيد على الأربعين أو ما هو أقلّ من ذلك كالسبعة والعشرين ، إلى غير ذلك من الشبهات المفهومية ، بل لأنّ الاستصحاب لا يجري في موارد الشكّ فيها ولو بمفاد كان التامّة ، حيث إنّ هذه المفاهيم الوصفية بمنزلة الحكم لكونها محمولات وموضوعها المحمولة عليه مردّد بين الأقل والأكثر ، فلا يجري فيها الاستصحاب لعدم إحراز موضوعها ، فلا تتّحد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة لاختلافهما في المحمول عليه.
وإن شئت فأبدل العدالة بوجوب الإكرام واجعل مركبه وموضوعه مردّداً بين تارك كلّ من الصغيرة والكبيرة وتارك الكبيرة فقط ، وافرض كون زيد بالأمس تاركاً لهما معاً ، وأنّه في هذا اليوم قد ارتكب الصغيرة فقط ، فإنّك تجد أنّ قضيّتك المتيقّنة هي الوجوب الوارد على تارك الاثنين ، وقضيّتك المشكوكة هي الوجوب الوارد على تارك خصوص الكبيرة ، فلا يمكنك الاستصحاب لاختلاف الموضوع في قضيّتك المشكوكة عمّا هو الموضوع في قضيّتك المتيقّنة.
نعم ، لو كان ذلك المحمول عليه ـ أعني تارك الكبيرة أو تارك الكبيرة والصغيرة ـ بمنزلة العلّة لتحقّق ذلك الوصف أو الحكم على وجه يكون صفة العدالة أو الوجوب كلون للشخص ، وتكون علّته مردّدة بين تركهما أو ترك خصوص الكبيرة منهما ، نظير حرارة الماء المردّدة بين كون علّتها هي الكهرباء أو النار العادية ، لأمكن القول بأنّ المستصحب فيها من قبيل الفرد المردّد بين مقطوع
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.