المحرّم وهو كونه في يوم الجمعة ، ولعلّه يمكنه حينئذ الرجوع في ذلك البيع الذي يوجده الآن إلى أصالة البراءة.
وهكذا الحال فيما لو قلنا بأنّ دخول الليل شرط في حلّية الأكل على نحو ما دام ، ولكن يكون الأكل الحلال مقيّداً بكونه واقعاً في الليل ، فإنّه بعد أن لم يكن استصحاب بقاء الليل قاضياً بحلّية الأكل الواقع في الآن المشكوك ، يمكنه الرجوع فيه إلى أصالة البراءة. لكن هذه فروض لا أساس لها ، فإنّ أقصى ما في البين هو كون حلّية الأكل مشروطة بدخول الليل ، وتبقى هذه الحلّية مستمرّة إلى دخول الفجر كما هو ظاهر الآية الشريفة ، وذلك قوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(١) وسيأتي (٢) إن شاء الله تعالى توضيح الجواب وأنّه يستحيل تقييد الوجوب بالنهار مثلاً بنحو ما دام مع تقييد الصوم الواجب بكونه واقعاً في النهار أو كونه نهارياً أو كونه مقارناً لوجود النهار ، لأن التقييد الأوّل يوجب لغوية التقييد الثاني ، والتقييد الثاني لا يغني عن التقييد الأوّل وإن كان لازماً له ، بمعنى أنّ الشارع إذا أوجد التقييد الثاني فلابدّ له من التقييد الأوّل ، وحينما يشرّع يشرّعهما معاً ، لا أنّه يشرّع الثاني فيراه محتاجاً إلى الأوّل فيشرّعه.
وحينئذ نقول : إنّه إذا شرّعهما معاً كان التشريع الثاني لغواً ، وحينئذ فلا يكون لنا في هذا النحو من الموقتات إلاّ التشريع الأوّل من دون التشريع الثاني ، فلا يكون الفعل الواجب مقيّداً شرعاً بشيء وإن كان تحقّقه في النهار قهرياً ، وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٧.
(٢) في الصفحة : ٤١٦ ـ ٤١٨.