بينهما. ولكن لا يخفى أنّ مجرّد تقدّم زمان اليقين على زمان الشكّ لا يوجب انحصار مدلول الرواية بقاعدة اليقين ، بل هي صالحة مع ذلك للانطباق على الاستصحاب ، ولا تكون منحصرة بقاعدة اليقين ، إلاّ إذا قلنا بأنّ الفاء تعطي انقطاع ما قبلها ، بحيث يكون مفادها هو ارتفاع اليقين وانقطاعه عند حصول الشكّ ، ومن الواضح أنّ الفاء لا تدلّ على الانقطاع المذكور ، كما ترى في قولك : من كان محدثاً فمسّ المصحف ، ونحو ذلك ، وحينئذ فلابدّ من القول بأنّ الرواية صالحة للانطباق على قاعدة اليقين وعلى الاستصحاب ولو في القسم الغالب ، وهو ما إذا تقدّم زمان اليقين المفروض بقاؤه في حال الشكّ ، لكن لابدّ حينئذ من القول بأنّها مسوقة لأحدهما ، لما تقدّم في صدر البحث من عدم الجامع بينهما.
وحينئذ فلو خلّينا نحن وصدر هذه الرواية لكانت مجملة مردّدة بينهما ، لكن بواسطة الذيل الظاهر في بقاء اليقين في حال الشكّ ، للحكم عليه بالبناء على يقينه الملازم لبقائه كما هو الشأن في القضايا الحقيقية التي يكون الحكم فيها على ما هو مفروض الوجود ، يكون ذلك من القرينة المعيّنة لإرادة الاستصحاب ، إذ لا يمكن حملها على قاعدة اليقين إلاّ إذا أُريد من اليقين في قوله : « فليض على يقينه » اليقين السابق باعتبار ما كان ، وهو خلاف الظاهر في المشتقّات فضلاً عمّا هو في غير المشتقّات كالمصادر وأسماء الأعيان ، ومن الواضح أنّ ما نحن فيه من قبيل المصادر.
ثمّ لا يخفى أنّه قد تقدّمت الاشارة (١) إلى أنّ مثل « لا تنقض اليقين بالشكّ » إنّما يكون مسوقاً للتعبّد بعدم نقض اليقين بالشكّ مع فرض كونه قد انتقض به وجداناً ، وحينئذ نقول : إنّ لنا في كلّ من الاستصحاب وقاعدة اليقين يقيناً وشكّاً
__________________
(١) في الصفحة : ١٠ ـ ١١.