مخالفاً للواقع ، لأنّهما في الواقع إمّا طاهران معاً أو أنّهما نجسان معاً ، فكون أحدهما طاهراً والآخر نجساً ممّا يعلم إجمالاً بأنّه خلاف الواقع ، فجوابه أنّ ذلك ـ أعني سقوط الأُصول الاحرازية في مثل ذلك ـ إنّما يكون فيما لو كانا على خلاف ما هو القدر المشترك بينهما ، بحيث إنّهما يرجعان إلى جامع بينهما كما حقّق في محلّه (١) من الفرق بين استصحاب نجاسة كلّ من الاناءين المعلوم عروض الطهارة على أحدهما وبين أمثال هذه الفروع من موارد التلازم.
وإن كان المدرك في ذلك هو حكومة استصحاب طهارة الماء على استصحاب نجاسة الثوب المغسول فيه ، ففيه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد طهارة الماء لا يكفي في طهارة المغسول فيه ما لم يكن محرز الكرّية ، فلا يكون ذلك إلاّمن قبيل المائع الذي يشكّ في كونه ماء مطلقاً أو مضافاً وقد غسل فيه النجس ، فالحكم ببقاء طهارة ذلك المائع لا يتولّد منه الحكم بطهارة ما غسل فيه إلاّمع إحراز كونه مطلقاً ـ أنّ ذلك إنّما يكون فيما إذا لم يكن الشكّ في طهارة الماء ناشئاً عن غسل ذلك النجس فيه ، أمّا لو كان الشكّ في طهارته ناشئاً عن غسله فيه ، فهذه الحكومة لا مورد لها ، لأنّ هذه الطهارة متولّدة عن الشكّ في بقائها ، الناشئ عن غسل ذلك الثوب فيه ، فلا يعقل أن تكون مزيلة للشكّ في بقاء نجاسة الثوب التي هي متأخّرة رتبة عن الشكّ في بقائها.
وبعبارة أوضح : أنّ زوال نجاسة هذا الثوب متوقّفة على غسله في ماء محكوم عليه في حدّ نفسه بالطهارة مع قطع النظر عن غسله فيه ، وهذه الطهارة للماء فيما نحن فيه ناشئة عن الشكّ الناشئ عن غسله فيه. وإن شئت فقل : إنّ الطهارة للماء التي نريد أن نجعلها مزيلة لنجاسة الثوب إن كانت هي الطهارة
__________________
(١) راجع المجلّد الحادي عشر من هذا الكتاب ، الصفحة : ٥٤٣ وما بعدها.