ولا يخفى أنّه لو كان الدوام ظرفاً للفعل الذي هو الوفاء ، لم يكن محصّله إلاّ تعلّق الوجوب بهذا الفعل الواحد المنطبق أوّله على أوّل الزمان وآخره على آخره نظير الامساك الواحد فيما بين الفجر والغروب ، ولا ريب في عدم إمكان التبعيض في الاطاعة والمعصية في مثل ذلك ، إذ ليس هو بأقل من العام المجموعي ، أمّا لو أُخذ الدوام في نفس الوجوب ، فقد عرفت أنّ دوامه يستلزم دوام متعلّقه ، وبواسطة ذلك لا يمكن التبعيض فيه من حيث الاطاعة والعصيان ، ولو فرضنا كون المتعلّق حدوثياً وتجدّدياً مثل الضرب والاكرام وقيل : يجب دائماً الاكرام أو الضرب ، فكذلك الحال ، لصيرورة الاكرام المتعدّد المستمرّ في الزمان بمنزلة فعل واحد تعلّق به وجوب واحد ، إلاّ أن يقال : إنّ تعدّد الفعل خارجاً يكون كالقرينة على تعدّد حكمه الذي هو الوجوب ، فيكون الدوام كناية عن تعدّد الوجوب بتعدّد متعلّقه ، فيخرج بذلك عن الوحدة الاستمرارية.
ثمّ لا يخفى أنّ الوفاء في الآية الشريفة لو كان كناية عن الحكم الوضعي الذي هو اللزوم ، فهذا لا يتصوّر فيه التعدّد بالاطاعة والعصيان ، نعم لو أُريد منه الجري على مقتضى العقد أو وجوب الابقاء وعدم الحل والفسخ ، بحيث إنّه يكون مفاده الحكم التكليفي بالجري على طبق العقد وعدم حلّه وفسخه ، فهو ممّا يدخله الاطاعة والعصيان وإن لم يترتّب الأثر على فسخه ، إلاّ أنّه بعد أخذ الدوام فيه لا يتصوّر فيه الاطاعة مرّة والعصيان أُخرى ، فلاحظ.
قوله : وأمّا الأحكام الوضعية فليس لها متعلّقات لكي يبحث فيها عن مصب العموم الزماني ، فينحصر أن يكون مصب العموم فيها نفس الحكم الوضعي ... الخ (١).
لا يخفى أنّ الأحكام الوضعية وإن لم يكن لها متعلّق ، إلاّ أنّ لها موضوعاً
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٤٨ ـ ٥٤٩.