ولكن قد عرفت أنّ التعبّد بوجود أحد الأضداد سواء كانت شرعية أو من الموضوعات الخارجية يكون مقروناً دائماً بالتعبّد بعدم الآخر ، لأنّ وجود أحد الضدّين خارجاً يكون مقروناً بعدم الآخر ، فلا نحتاج إلى هذه القضيّة وهي أنّ التعبّد بأحد الأضداد الشرعية عين التعبّد بعدم الآخر ، وإن كانت صحيحة في نفسها ، والغرض أنّ هذا الذي أفاده من أنّ التعبّد بأحد الأضداد الشرعية عين التعبّد بعدم الآخر قد تقدّم إقامة البرهان عليه ، وهو كون ذلك العدم المقارن لذلك الوجود مستنداً إلى الشارع.
ومن هذا البرهان يمكننا إتمام ما حرّرناه في وجه الحكومة من طريقة الرافعية الناشئة عن كون إيجاد الطارئ رفعاً لما هو طار عليه ممّا هو ضدّه ، وبه يمكننا أن نصحّح ما نقله عنه المرحوم الشيخ محمّد علي رحمهالله من تلك الجملة أعني مثل قوله : إذ لا معنى للتعبّد بالنجاسة أو الحرمة إلاّ إلغاء احتمال الحلّية والطهارة (١) ، ونحو ذلك من الجمل التي تقدّم نقلها ، بأن نقول : إنّ الغرض من إلغاء احتمال الحلّية هو تحقّق الموجب لارتفاعها وهو الحرمة ، فلاحظ وتدبّر. ولعلّ سلوك طريقة حكومة ذي العنوان الثانوي على ذي العنوان الأوّلي أسهل ، فإنّ حرمة العصير إنّما هي بعنوانه الثانوي وهو الغليان ، وحلّيته إنّما هي بعنوانه الأوّلي ، فكما أنّ الأوّل حاكم على الثاني في غير مورد الشكّ في البقاء فكذلك يكون حاكماً عليه في مورد الشكّ في البقاء عند إثبات كلّ منهما بالاستصحاب ، ولعمري إنّ هذه الطريقة مع كونها أسهل من الطريقة الأُولى التي أطلنا الكلام
__________________
التعبّد بوجود الآخر لكون التعبّد بوجوده عين التعبّد بعدم الآخر ، انتهى. ثمّ إنّه كرّر ذلك بعد هذا المبحث بنحو أوضح ، فراجع [ منه قدسسره ].
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٧٧.