جميع الأُصول الشرعية ، كما أنّه قدسسره لا يسلّم اشتمالها على التنزيل منزلة الواقع ، لأنّه يستلزم جعل المماثل ، وحينئذ فلا محيص من القول بأنّ المجعول في باب الأُصول الشرعية التنزيلية مثل الاستصحاب إنّما هو حجّية اليقين السابق ، أو الظنّ النوعي الحاصل من اليقين السابق ، غايته أنّ ذلك مقيّد بحيثية العمل على المتيقّن السابق ، فيكون الفارق بين الأمارات والأُصول التنزيلية هو أنّ المجعول في الأمارات هو مجرّد تتميم كشفها من دون تقييد بحيثية العمل ، بخلاف باب الأُصول التنزيلية فإنّ ذلك الجعل مقيّد فيها بحيثية العمل على طبق مؤدّاها ، الذي هو الجهة الثالثة من جهات العلم الطريقي ، ولأجل هذا التقييد لم يكن مثبتها حجّة كما تقدّم تفصيله في باب جعل الطرق والأُصول الشرعية (١) ، وقد ذكرنا هناك أنّ المجعول في الأُصول غير التنزيلية هو الحجّية أيضاً ـ أعني حجّية الاحتمال ـ لكن من حيث المعذورية أو التنجّز ، وقد ذكرنا في الأُصول التنزيلية أنّ محصّل هذه الدعوى راجع إلى أمرين : الأوّل كون المجعول في باب الأُصول الاحرازية هو نفس حجّية اليقين السابق. والثاني كون الحجّية المذكورة مقصورة على العمل الذي يكون عملاً على بقاء المتيقّن ، دون غيره ممّا يكون عملاً بلوازمه ممّا لا يعدّ عرفاً عملاً ببقاء ذلك المتيقّن ، بل يكون بحسب النظر العرفي عملاً على أمر آخر غير ذلك المتيقّن ، مثل نبات اللحية في استصحاب الحياة.
أمّا الدعوى الأُولى ، فيمكن أن يقال باستفادتها من النهي عن نقض اليقين السابق ، بأن يجعل النهي كناية عن حجّية اليقين السابق ، لا أنّه نهي مولوي مستقل بنفسه ، ولو سلّمنا أنّ لذلك النهي ظهوراً في النهي المولوي الاستقلالي لأمكننا رفع اليد عن هذا الظهور بالقرينة العقلية ، بأن يقال : لا يمكن حمل النهي المذكور
__________________
(١) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٢٩٩ وما بعدها.