من الغلو ـ القول بأنهم يستقلون في العلم بالغيب
الغيب نقيض الشهادة ، يصدق على ما يقع عليه الحس وهو الباري سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا كالوحي والقيامة وأهوالها والقبر وعذابه ...
اختلف العلماء في القوة المدركة وهل يقتصر الإدراك على الحس أم يتعداه إلى العقل ليؤمن بالأشياء التي خفيت عليه وقصرت الحواس الخارجية عن إدراكها؟ أغلب القدماء وحكماء المسلمين جوزوا التأويل على الحس والعقل معاً ، بل قالوا إن البرهان العلمي لا يشمل المحسوس ، وهذا ما يخالف علماء الطبيعة القائلون بالملاحظة والتجربة وإنما تدرك الأشياء عندهم من خلال الحواس ، لذا لا يعتمدون على غيره ، ودللوا على صحة مقولتهم بعدة أدلة منها : قالوا إن العقل كثيراً ما يعتريه الخطأ في التفكير وبالتالي الخطأ في البرهان ، أما الأسلوب الصحيح الذي يعتمده في نتائجه على الملاحظة والإستقراء والتجرية على أن هذا الدليل واه جداً ، لأن العقل إذا كان يخطأ أحياناً فهذا لا يعني تعطيله وعدم الاعتماد عليه مطلقاً ، كما أن الحواس هي الأخرى قد لا تصيب الواقع بالملاحظة والتجربة والقرآن يؤكد لنا هذه الصورة وذلك أن الظمآن يشاهد من بعيد السراب فيحسبه ماء ... وهو توهم وخيال غير قابل الاعتماد ، وهكذا بقية الحواس فلا شك من وقوع الخطأ في تشخيصها الخارجي.
ثم أن موضوع الخطأ والصواب تشترك فيه مقدمات حية ليستنتج منها كليات عقلية قابلة للاحتجاج كالقياس المنطقي لعملية استقراء شامل.