غياب موسى عنهم سقطوا في شرائك إبليس لما زين لهم العجل ، فعبدوه من دون الله ، وهارون عليهالسلام يؤنبهم تارة ، ويغلظ عليهم تارة أخرى ، ويعظهم ثالثة ، إلا أن هؤلاء أبوا الامتثال وأصروا على جهلهم وعنادهم ... فترى أن الغلو برز بذريعة شخص واحد الذي صنع لهم العجل وما فيه من خوار.
ثم أن النصارى عبدوا المسيح وأمه الصديقة مريم ، والحواريون يمنعونهم من ذلك ، ولكن أنّي لهم الزجر وقد شاهدوا المعجزات تظهر على يده في إبراء الأكمه والأبرص والأعمى؟! فكانت تلك المعجزات سبباً واضحاً في غلوهم.
إن تلك المشاهدات الباهرات سلبت توازن النصارى حتى صيروا المسيح عليهالسلام ابن الله ، تعالى الله عما يشركون.
هذا النوع من الغلو سببه الإعجاب الشديد والحب الأعمى البعيد عن أسس التفكير والتعقل ..
وهكذا شأن الأمم الاخرى ، قد تضل عن الطريق عندما تتوسل بالأمور المادية أو الأفراد دون الاتجاه إلى خالقها والإنقطاع إليه.
ففي أواخر القرنين الأول للهجرة والثاني منه برزت الزندقة ، وظهرت معالم الفساد في الدولة العباسية واستحوذت المادة والشهوات على النفوس ، مما أوجدت أشخاص يشعرون بالنقص وآخرين يحملون عقداً نفسية ، وأمزجة بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه السامية. فاختلقوا بعض الأساطير والتراهات ، وزينوا للناس هذا الإنحراف حتى استطاعوا أن يكسبوا طائفة منهم تسير وفق تعاليمهم وتخضع لإرادتهم ، فالبعض إتبعهم لمصلحة ما ، ولبعض الآخر سلك معهم لضعف عقلي ، أو يقص في نفسه.
فجدير بنا أن ندرس هذه الظاهرة على ضوء القرآن الكريم والسنة المباركة حتى يقف القارئ الكريم على الأجواء التي نشأ فيها الغلو ، والعوامل المساعدة على ذلك ، وموقف أهل البيت منه.
وقبل أن نلج في صلب الموضوع نمهد للبحث مدخلاً يوضح بعض المصطلحات والمفاهيم.
|
المؤلف الدكتور عبد الرسول الغفار بيروت |