القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق
______________________________________________________
والجدال بما إذا كان الغرض تعجيز الخصم وذلته ، وقيل : الجدل في المسائل العلمية والمراء أعم ، وقيل : لا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا ، والجدل أخص من الخصومة يقال : جدل الرجل من باب علم فهو جدل إذا اشتدت خصومته ، وجادل مجادلة وجدالا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، والخصومة لا تعتبر فيها الشدة ولا الشغل وقال الغزالي : يندرج في المراء كل ما يخالف قول صاحبه مثل أن يقول هذا حلو فيقول هذا مر ، أو يقول : من كذا إلى كذا فرسخ ، فيقول ليس بفرسخ أو يقول شيئا فتقول أنت أحمق أو أنت كاذب ، ويندرج في الخصومة كل ما يوجب تأذي خاطر الآخر وترداد القول بينهما ، وإذا اجتمعا يمكن تخصيص المراء بالأمور الدينية والخصومة بغيرها أو بالعكس.
« فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان » أي يغيرانها بالعداوة والغيظ ، وإنما عبر عنها بالمرض لأنها توجب شغل القلب وتوزع البال وكثرة التفكر وهي من أشد المحن والأمراض ، وأيضا توجب شغل القلب عن ذكر الله وعن حضور القلب في الصلاة ، وعن التفكر في المعارف الإلهية وخلوها عن الصفات الحسنة وتلوثها بالصفات الذميمة وهي أشد الأمراض النفسانية والأدواء الروحانية ، كما قال تعالى : « فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » (١).
« وينبت عليهما النفاق » أي التفاوت بين ظاهر كل واحد منهما وباطنه بالنسبة إلى صاحبه ، وهذا نفاق ، أو النفاق مع الرب تعالى أيضا إذا كان في المسائل الدينية فإنهما يوجبان حدوث الشكوك والشبهات في النفس والتصلب في الباطل للغلبة على الخصم بل في الأمور الدنيوية أيضا بالإصرار على مخالفة الله تعالى ،
__________________
(١) سورة البقرة : ١٠.