.................................................................................................
______________________________________________________
وكل ذلك من دواعي النفاق.
فإن قيل : هذا ينافي ما ورد في الآيات والأخبار من الأمر بهداية الخلق والذب عن الحق ودفع الشبهات عن الدين وقطع حجج المبطلين وقال تعالى : « وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (١) وقال : « وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (٢).
قلت : هذه الأخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض إظهار الفضل أو الغلبة على الخصم أو التعصب وترويج الباطل ، أو على ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة وإظهار الحق وكشفه ، فيصير سببا لمزيد رسوخ الخصم في الباطل ، أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل آخر ، أو مع إمكان الهداية باللين واللطف يتعدى إلى الغلظة والخشونة المثيرتان للفتن أو بترك التقية في زمنها ، وأما مع عدم التقية والقدرة على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل بأوضح الدلائل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رياء ولا مراء فهو من أعظم الطاعات ، لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي التحرز عنها والسعي في الإخلاص فيه أهم من سائر العبادات.
ويدل على ما ذكرنا ما ذكره الإمام أبو محمد العسكري عليهالسلام في تفسيره (٣) قال : ذكر عند الصادق عليهالسلام الجدال في الدين وأن رسول الله والأئمة المعصومين عليهمالسلام قد نهوا عنه ، فقال الصادق عليهالسلام : لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله يقول : « وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » وقوله تعالى : « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
__________________
(١) سورة النحل : ١٢٥.
(٢) سورة العنكبوت : ٤٦.
(٣) كتاب التفسير منسوب الى الإمام عليهالسلام وفي صحة هذا الانتساب أيضا كلام ذكره الأستاد الشعرانى (ره) في مقدّمة تفسير مجمع البيان فراجع.