.................................................................................................
______________________________________________________
يعني عقله ظهر لك حقيقة قوله : من لم يملك غضبه لم يملك عقله.
قال بعض المحققين : مهما اشتدت نار الغضب وقوي اضطرامها أعمى صاحبه وأصمه عن كل موعظة ، فإذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة غيظا ، وإن أراد أن يستضيء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر على ذلك ، إذ ينطفئ نور العقل وينمحي في الحال بدخان الغضب ، فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستولي على معادن الفكر ، وربما يتعدى إلى معادن الحس فيظلم عينه حتى لا يرى بعينه ويسود عليه الدنيا بأسرها ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار ، فاسود جوه وحمى مستقره وامتلاء بالدخان جوانبه ، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ وانمحى نوره فلا يثبت فيه قدم ولا يسمع فيه كلام ، ولا ترى فيه صورة ، ولا يقدر على إطفائه لا من داخل ولا من خارج ، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق ، فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ ، وربما يقوى نار الغضب فتفنى الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا كما يقوى النار في الكهف فيتشقق وتنهد أعاليه على أسافله ، وذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه ، فهكذا حال القلب مع الغضب.
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف ، وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام ، واضطراب الحركة والكلام ، حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل الخلقة ، ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ، واستحالة خلقته ، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فإن الظاهر عنوان الباطن ، وإنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا فهذا أثره في الجسد ، وأما