قال أبكي حتى تجري دموعي فقال له العالم فإن ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل إن المدل لا يصعد من عمله شيء.
______________________________________________________
زواله ، مشفقا على تكدره أو سلبه من أصله ، فهذا ليس بمعجب ، والأخرى أن لا يكون خائفا من زواله لكن يكون فرحا به من حيث أنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه ، وهذا أيضا ليس بمعجب ، وله حالة ثالثة هي العجب وهو أن يكون غير خائف عليه ، بل يكون فرحا به مطمئنا إليه ، ويكون فرحه به من حيث أنه كمال ونعمة ورفعة وخير ، لا من حيث أنه عطية من الله تعالى ونعمة منه ، فيكون فرحه به من حيث أنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث أنه منسوب إلى الله بأنه منه ، فمهما غلب على قلبه أنه نعمة من الله مهما شاء سلبها ، زال العجب بذلك عن نفسه ، فإذا العجب هو إعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم ، فإن انضاف إلى ذلك أن غلب على نفسه أن له عند الله حقا وأنه منه بمكان حتى توقع بعلمه كرامة له في الدنيا ، واستبعد أن يجري عليه مكروه استبعادا يزيد على استبعاده فيما يجري على الفساق سمي هذا إدلالا بالعمل ، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة ، وكذلك قد يعطي غيره شيئا فيستعظمه ويمن عليه فيكون معجبا ، فإن استخدمه أو اقترح عليه الاقتراحات ، أو استبعد تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه.
قال قتادة في قوله تعالى : « وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » (١) أي لا تدل بعملك ، وفي الخبر : أن صلاة المدل لا ترتفع فوق رأسه ، ولأن تضحك وأنت معترف بذنبك خير من أن تبكي وأنت تدل بعملك ، والإدلال وراء العجب فلا مدل إلا وهو معجب ورب معجب لا يدل إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة ، دون توقع جزاء عليه ، والإدلال لا يتم إلا مع توقع جزاء ، فإن توقع إجابة دعوته واستنكر
__________________
(١) سورة المدّثّر : ٦.