.................................................................................................
______________________________________________________
خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » (١) فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالأقدام ثم خمر طينته حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر ، وأخس الأشياء ما إليه نسبه ، فإن قال : أفتخر بالأب القريب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من الأب فليحتقر نفسه بهما.
والسبب الثاني الحسن والجمال فإن افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام ، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به ، ولينظر أيضا إلى أصله وما خلق منه كما مر ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة ، وإلى ما في باطنه من الخبائث مثل الأقذار التي في جميع أعضائه والرجيع الذي في أمعائه ، والبول الذي في مثانته ، والمخاط الذي في أنفه ، والوسخ الذي في أذنيه ، والدم الذي في عروقه ، والصديد الذي تحت بشرته ، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح ، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.
الثالث : القوة والشجاعة ، فمن افتخر بها فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة ، وأن الأسد والفيل أقوى منه ، وأن أدنى العلل والأمراض تجعله أعجز من كل عاجز ، وأذل من كل ذليل ، وأن البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.
الرابع : الغناء والثروة.
الخامس : كثرة الأنصار والأتباع والعشيرة وقرب السلاطين والاقتدار من جهتهم ، والكبر والفخر بهذين السببين أقبح لأنه أمر خارج عن ذات الإنسان وصفاته ، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه السلطان وعزله لبقي ذليلا عاجزا ، وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه مالا وجاها ، فالمتكبر بهما في غاية الجهل.
__________________
(١) سورة السجدة : ٨.