فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.
______________________________________________________
إلى الهاوية ، وقد عظم الله ذم اتباع الهوى فقال : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » (١) وقال : « وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » (٢) « وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً » (٣) وقوله : « وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » (٤) فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال : « وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » (٥) وقال : « كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ » (٦) « وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ » (٧) وقال : « قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً » (٨) « وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ » (٩) « وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ » و « مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ » (١٠) » انتهى.
وأقول : ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما وما لا تهواه النفس ليس كله ممدوحا ، بل المعيار ما مر في باب ذم الدنيا وهو أن كل ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية والمقاصد الفانية الدنيوية ولم يكن الله مقصودا له في ذلك فهو من الهوى المذموم ويتبع فيه النفس الأمارة بالسوء ، وإن كان مشتملا على زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيذ المأكل والمطعم والملبس ويقاسي الجوع والصوم والسهر للاشتهار بالعبادة وجلب قلوب الجهال ، وما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان مما تشتهيه نفسه وتهواه ، فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكل ويشرب لأمره تعالى بهما ، أو لتحصيل القوة على العبادة ، وكمن يجامع الحلال لكونه مأمورا به
__________________
(١) سورة الجاثية : ٣٣. (٢) سورة ص : ٢٦.
(٣) سورة الكهف : ٢٨. (٤) سورة البقرة : ١٢٠.
(٥) سورة الجاثية : ١٨. (٦) سورة الأنعام : ٧١.
(٧) سورة المائدة : ٧٧. (٨) سورة الأنعام : ٥٦.
(٩) سورة المائدة : ٤٩. (١٠) سورة القصص : ٥٠.