فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال : قال الله عز وجل : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى
______________________________________________________
« فهؤلاء مغفور لهم ومصفوح عن ذنوبهم » وهاتان الفقرتان ليستا في البصائر في شيء من الروايتين في الموضعين ، وعلى ما في الكتاب كان الذنب هنا مأول بترك الأولى كما مر مرارا ، أو كنايتان عن عدم صدورها عنهم.
« تِلْكَ الرُّسُلُ » قال البيضاوي : إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة أو المعلومة للرسول أو جماعة الرسل ، واللام للاستغراق « فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ » بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره « مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ » وهو موسى وقيل : موسى ومحمد عليهماالسلام ، كلم موسى ليلة الحيرة وفي الطور ، ومحمدا ليلة المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى ، وبينهما بون بعيد « وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ » بأن فضله على غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدة ، وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنه خص بالدعوة العامة والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة والآيات المتراقية المتعاقبة بتعاقب الدهر ، والفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر والإبهام ، لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين ، وقيل : إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب ، وقيل : إدريس لقوله تعالى : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » (١) وقيل : أولو العزم من الرسل.
« وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ » المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار بالمغيبات أو الإنجيل « وَأَيَّدْناهُ » وقويناه « بِرُوحِ الْقُدُسِ » بالروح المقدسة كقولك حاتم الجود ورجل صدق ، أراد به جبرئيل أو روح عيسى ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان أو لكرامته على الله ، ولذلك أضافها إلى نفسه ، أو لأنه لم تضمها الأصلاب والأرحام الطوامث أو الإنجيل أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيى به الموتى ، وخص عيسى عليهالسلام بالتعيين لإفراط اليهود والنصارى في
__________________
(١) سورة مريم : ٥٧.