ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار.
______________________________________________________
فأقول : إذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما وكان صادقا فيه لم يكن منافقا ولا ذا اللسانين فإن الواحد قد يصادق متعاديين ، ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الإخوة ، إذ لو تحققت الصداقة لاقتضت معاداة الأعداء ، نعم لو نقل كلام كل واحد إلى الآخر فهو ذو لسانين وذلك شر من النميمة إذ يصير نماما بأن ينقل من أحد الجانبين ، فإن نقل من الجانبين فهو شر من النميمة وإن لم ينقل كلاما ولكن حسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه فهذا ذو لسانين ، وكذلك إذا وعد كل واحد منهما أنه ينصره ، وكذلك إذا أثنى على كل واحد منهما في معاداته ، وكذلك إذا أثنى على أحدهما وكان إذا خرج من عنده يذمه فهو ذو لسانين بل ينبغي أن يسكت أو يثني على المحق من المتعاديين ويثني في حضوره وفي غيبته وبين يدي عدوه.
قيل لبعض الصحابة : إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول فإذا خرجنا قلنا غيره؟ فقال : كنا نعد ذلك نفاقا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهذا نفاق مهما كان مستغنيا عن الدخول على الأمير وعن الثناء عليه ، فلو استغنى عن الدخول ولكن إذا دخل يخاف إن لم يثن فهو نفاق لأنه الذي أحوج نفسه إليه ، وأن كان يستغني عن الدخول لو قنع بالقليل وترك المال والجاه ، فلو دخل لضرورة الجاه والغناء وأثنى فهو منافق ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، لأنه يحوج إلى الأمراء ومراعاتهم ومراءاتهم ، فأما إذا ابتلي به لضرورة وخاف إن لم يثن فهو معذور فإن اتقاء الشر جائز.
وقال أبو الدرداء : إنا لنكشر (١) في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتبغضهم.
وقالت عائشة : استأذن رجل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ائذنوا له فبئس رجل العشيرة هو ، فلما دخل أقبل عليه وألان له القول ، فلما خرج قالت عائشة : قد قلت
__________________
(١) كشر عن اسنانه : كشف عنها عند الضحك وغيره.