لأن الله سبحانه جعل العاق « جَبَّاراً شَقِيًّا » وقتل النفس « الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ »
______________________________________________________
وأما الشقاوة فهي سوء العاقبة والمراد هنا في الآخرة ، ولا يكون إلا بالعذاب ودخول النار : وقد قال تعالى : « فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها » (١) الآية.
وأما العصي فالعصيان مما أوعد عليه النار كما قال تعالى : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها » (٢) وقال سبحانه : « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » (٣) ومثله كثير.
« وقتل النفس الَّتِي حَرَّمَ اللهُ » أي قتلها « إِلاَّ بِالْحَقِ » استثناء عن القتل أو حرم وقالوا : الحق الذي يستباح به قتل النفس المحرم قتلها هي ثلاثة أشياء : القود ، والزنا بعد إحصانه ، والكفر بعد إيمان ، والآية التي استشهد عليهالسلام بها في سورة النساء هكذا : « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً » وظاهر الآية أن التعمد في مقابلة الخطإ الذي ذكره الله في الآية التي قبلها ، حيث قال : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ » الآية ، وهو الظاهر من هذا الخبر أيضا حيث استشهد عليهالسلام بها لمطلق القتل ، ويشكل حينئذ الحكم بالخلود ، ولذا أول بعضهم التعمد بما يرجع إلى الكفر إما بكونه مستحلا للقتل أو قتله لإيمانه ، كما ورد في بعض أخبارنا ، وقيل : معناه هذا جزاؤه إن جازاه لكنه لا يجازيه ، وروي ذلك أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ » (٤) وقالوا الآية اللينة نزلت بعد الشديدة ، وقيل : المراد بالخلود المكث الطويل وهذا الوجه أنسب بهذا الخبر ، وكذا ما روي أن هذا جزاؤه إن جازاه لا يأبى عنه هذا الخبر ، وأما ما روي أن المراد به
__________________
(١) سورة هود : ١٠٦.
(٢) سورة النساء : ١٤.
(٣) سورة الجنّ : ٢٣.
(٤) سورة النساء : ٤٨.