.................................................................................................
______________________________________________________
لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ، ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه ، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته ، ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ، ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك.
وأما حكم الرياء فهل هو حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل؟ فأقول : فيه تفصيل ، فإن الرياء هو طلب الجاه ، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث أنه طلب منزله في قلوب العباد ، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب مخطورة فكذلك الجاه ، وكما أن كسب قليل من المال وهو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه وهو ما يسلم به عن الآفات محمود ، وهو الذي طلبه يوسف عليهالسلام حيث قال : « إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ » (١) وكما أن المال فيه سم ناقع وترياق نافع فكذلك الجاه ، وأما انصراف الهم إلى سعة الجاه فهو مبدء الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال ، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اهتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه ، فلا جاه أوسع من جاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعده من علماء الدين ، ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم ، وبالجملة المراءاة بما ليس من العبادات قد يكون مباحا وقد يكون طاعة وقد يكون مذموما ، وذلك بحسب الغرض المطلوب به.
وأما العبادات كالصدقة والصلاة والغزو والحج ، فللمرائي فيه حالتان : إحداهما أن لا يكون له قصد إلا الرياء المحض دون الأجر ، وهذا يبطل عبادته
__________________
(١) سورة يوسف : ٥٥.