« وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ » وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون قال الله عز وجل : « إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ » (١) أن ذلك كما يقولون وقال : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » (٢) يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحد وجوه الكفر.
وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم
______________________________________________________
والحاصل أنه استشهد لقوله إنهم وضعوا الدين بمحض الاستحسان من غير حجة وبرهان بأنه تعالى قال بعد قولهم : « وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ».
« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ » سواء اسم من الاستواء وخبر لأن ، وما بعده فاعله أي مستو عليهم إنذارهم وعدمه ، أو خبر لما بعده ، والجملة خبر لأن أي إنذاره وعدمه سيان عليهم ، وقوله : بتوحيد الله متعلق بلا يؤمنون ، ويحتمل تعلقه بكفروا أو بهما على التنازع ، والظاهر أن هذه الآية والآية السابقة موردهما واحد.
وقد يقال : إن الآية الأولى في صنف من الزنادقة لا سبيل لهم إلى شبهة قوية والثانية لقوم من الفلاسفة لهم شبه قوية على إنكار حدوث العالم والمعاد وفناء العالم فهو أشد رسوخا في باطلهم من الفرقة الأولى ، ولذلك لا ينفعهم الإنذار وليس ببعيد. وإنما خص نفي الإيمان في الآية بتوحيد الله لأن سائر ما يكفرون به من توابع التوحيد « وأما الوجه الآخر من الجحود » قيل : الصواب وأما الوجه الآخر من الجحود فهو الجحود على معرفة ، ولعله سقط من قلم النساخ ، انتهى.
وكان الفرق بين هذا وما تقدم أن الفرقة المتقدمة عرضت لهم شبهة ضعيفة اتبعوها ، وهؤلاء أنكروا مع العلم عتوا واستكبارا وعنادا وحسدا كالفرق الذي ذكرنا سابقا بين الكفر والشرك.
ويحتمل وجها آخر من الفرق بأن يكون الأول ما يكون في التوحيد وما يتبعه من أمر المعاد ، والثاني ما يكون بعد الإقرار بالتوحيد من الإقرار بالنبوة
__________________
(١) سورة الجائية : ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٦.