والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان ع : « هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » (١) وقال « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » (٢) وقال « فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ » (٣).
______________________________________________________
فهم الذين حكى الله عنهم في قوله : « وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ » وقوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » فهؤلاء كفروا وجحدوا بغير علم ، وأما الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله عز وجل : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » فهؤلاء كفروا وجحدوا بعلم.
وفي تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : وأما الكفر المذكور في كتاب الله تعالى فخمسة وجوه ، منها كفر الجحود ، ومنها كفر فقط ، والجحود ينقسم على وجهين ، ومنها كفر الترك لما أمر الله تعالى به ، ومنها كفر البراءة ، ومنها كفر النعم فأما كفر الجحود فأحد الوجهين منه جحود الوحدانية وهو قول من يقول لا رب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور ، وهؤلاء صنف من الزنادقة ، وصنف من الدهرية الذين يقولون ما يهلكنا إلا الدهر ، وذلك رأي وضعوه لأنفسهم استحسنوه بغير حجة فقال الله تعالى « إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ » وقال : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » إلى قوله « لا يُؤْمِنُونَ » أي لا يؤمنون بتوحيد الله.
والوجه الآخر من الجحود هو الجحود مع المعرفة بحقيته قال تعالى « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا » (٤).
وقال سبحانه : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ » إلى قوله « عَلَى الْكافِرِينَ » أي جحدوه
__________________
(١) سورة النمل : ٤٠.
(٢) سورة إبراهيم : ٧.
(٣) سورة البقرة : ١٥٢.
(٤) سورة النمل : ١٤.