والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل :
______________________________________________________
بعد أن عرفوه.
أقول : إنما أوردنا الروايتين لتأييد كل منهما لبعض الوجوه السابقة « يحكي قول سليمان » لما عرف سليمان عليهالسلام نعمة الله عليه ، وعلم أنها للابتلاء قال هذا من فضل ربي ، أي الاقتدار من إحضار العرش في مدة يسيرة من مسافة بعيدة وهي ما بين سبأ والشام بلا حركات جسمانية من فضل نعم ربي « لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ » بالإقرار بأن ذلك الفضل له ومنه لا لي ومني ، والإتيان بالثناء الجزيل والذكر الجميل « أَمْ أَكْفُرُ » بترك ذلك الإقرار وعدم ذلك الإتيان.
« وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ » لأنه يديم العتيد ويجلب المزيد ، ويستحق به الثواب ، ومن كفر بما مر فلا يضر الله شيئا فإن ربي غني عن عبادة العابدين وشكر الشاكرين ، كريم بالإفضال والإحسان وترك مؤاخذة العبد بالإساءة والكفران لعله يتوب ويصلح حاله في مستقبل الأزمان ، ومن هاهنا ظهر أن ترك الشكر على النعمة كفر.
وقال : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » قيل : الشكر هو الاعتراف بالنعمة ظاهرة كانت أو باطنة ، جلية كانت أم خفية والإقرار بها للمنعم ، والإتيان بالأعمال الصالحة المطلوبة له والامتثال لأوامره والاجتناب عن معاصيه ، وكفر النعم ضد ذلك ، وهو سبب لزوال النعمة وعدم الزيادة وتحقق العقوبة في الدنيا والآخرة ، ولذلك قال الله عز وجل مؤكدا بوجوه شتى : « وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ».
وقال : « فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » قيل : أي فاذكروني ظاهرا باللسان وباطنا بالجنان لاسيما عند الأوامر والنواهي ، أذكركم في ملإ المقربين بالخير والصلاح أو بالجزاء الجميل ، أو في القيامة إذا بلغت القلوب الحناجر من شدائدها ، أو في حال الموت أو في البرزخ أو في جميع الأحوال ، كما دلت عليه صيغة الاستقبال.