استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين.
والشبهة على أربع شعب إعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأول العوج
______________________________________________________
ولكن عبدني ليعطي الربوبية حقها ، ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار ، ألم أكن أهلا أن أطاع وأعبد خالصة.
« ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين » قيل : اليقين ليس محض الاعتقاد ، بل هو كيفية نفسانية تبعث على متابعة من أقر بهم من الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام من جميع الوجوه وتمنع عن مخالفتهم ، ولذا قال عليهالسلام : ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين ، لأن اليقين بالمعنى المذكور لا يكون إلا لمن اصطفاه الله تعالى من عباده ، ولمن تابعهم حق المتابعة ، وقد مر الكلام في اليقين ، وكان المراد بالخلق هنا التقدير.
« والشبهة على أربع شعب : إعجاب بالزينة » أي إعجاب المرء بالزينة الدنيوية أو القلبية من الأمور التي اخترعتها النفس بالرأي والاستحسان ، مع استعانة الوهم والخيال فأعجبت بها.
« وتسويل النفس » أي تزيينها للأمور الباطلة بحسب المادة والصورة ، مع شوب الحق وعدمه ، فإن النفس باستعانة الوهم قد تزين الأمور الباطلة الصرفة ، كما تزين الباطل الممتزج بالحق ، والظاهر أن الإضافة إلى الفاعل كما قال تعالى « بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً » (١)والإضافة إلى المفعول بعيد ، قال الراغب : التسويل تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح منه بصورة الحسن ، قال تعالى : « بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً » « الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ » (٢).
« وتأول العوج » أي تأويل الأمر المعوج والباطل بما يظن أنه حق ومستقيم
__________________
(١) سورة يوسف : ١٨.
(٢) سورة محمّد : ٢٥.