______________________________________________________
هذا مقت خالص كبير عند من يحقر عنده كل عظيم ، مبالغة في المنع عنه.
وقال الرازي : منهم من قال هذه الآية في حق جماعة من المؤمنين وهم الذين أحبوا أن يعملوا بأحب الأعمال إلى الله تعالى ، فأنزل الله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ » (١) الآية ، و « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ » فأحبوا الجهاد وتولوا يوم أحد ، فأنزل الله تعالى : « لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ » وقيل : في حق من يقول قاتلت ولم يقاتل ، وطعنت ولم يطعن ، وفعلت ولم يفعل ، وقيل : أنها في حق أهل النفاق في القتال لأنهم تمنوا القتال ، فلما أمر الله تعالى به « قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ » وقيل : أنها في حق كل مؤمن لأنهم قد اعتقدوا الوفاء بما وعدهم الله من الطاعة والاستسلام والخضوع والخشوع ، فإذا لم يوجد الوفاء بما وعدهم الله خيف عليهم ، انتهى.
وأقول : الآية تحتمل وجوها بحسب ظاهر اللفظ :
الأول : ما يظهر من هذا الخبر من أنها في التعيير على خلف الوعد من الناس ، ويؤيده ما روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قال : والخلف يوجب المقت عند الله والناس ، قال الله سبحانه : « كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ » فيكون على سبيل القلب ، ويكون المعنى لم لا تفعلون ما تقولون ، أو يقال : النهي المفهوم من الآية يتوجه إلى القيد ، وهو عدم الفعل كما إذا قال : لا تأتني راكبا فإن النهي يتوجه إلى الركوب ، أو يكون محمولا على وعد لا يكون صاحبه عند الوعد عازما على الفعل ، فيكون مشتملا على نوع من التدليس والكذب ، والأول أظهر وهذا النوع من الكلام شائع.
الثاني : أن يكون المراد بها ذم مخالفة عهود الله ومواثيقه ، كما هو ظاهر
__________________
(١) سورة الصفّ : ١٠.