عز وجل [ بعد ذلك ] من الإيمان إلى الكفر قلت له فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان قال فقال إن الله
______________________________________________________
الإيمان واستقر في قلبه لم ينقله إلى الكفر ، ولم يسلب عنه توفيقه.
« وقلت له : فيكون الرجل كافرا » يحتمل الخبر والاستفهام ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلان السائل لما علم بالجواب المذكور أن من ثبت إيمانه لم ينقله الله إلى الكفر بسلب التوفيق عنه ، سأل عن حال من ثبت كفره هل ينقله الله من الكفر إلى الإيمان بهذا التوفيق واللطف أم لا؟ وانطباق الجواب على الأول ظاهر ، لإشعاره بأنه ممن هداه لعدم إبطاله الفطرة الأصلية بالكلية ، فلذلك تداركته العناية الإلهية ، وأما انطباقه على الثاني ففيه خفاء إذ لم يصرح عليهالسلام بما سأله عنه إلا أنه أشار إلى تقرير قاعدة كلية للتنبيه على أن المقصود الأهم هو معرفتها والتصديق بها.
وهي أن الله تعالى خلق الناس على نحو من الفطرة ، وهي كونهم قابلين للخير والشر وهداهم إليها ببعث الرسل ، وهم يدعونها إلى الإيمان وإلى سبيل الخير ، وينهونهم عن سبيل الكفر والشر ، فمنهم من هداه الله عز وجل بالهدايات الخاصة لعدم إبطاله الفطرة الأصلية وتفكره في أنه من أين جاء وإلى أين نزل ، وأي شيء يطلب منه ، واستماعه إلى نداء الحق ، فإنه عند ذلك يتلقاه اللطف والتوفيق والرحمة ، كما قال عز وجل : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » (١).
ومنهم من لم يهده الله عز وجل لإبطاله فطرته وعدم تفكره فيما ذكر وإعراضه عن سماع نداء الحق ، فيسلب عنه الرحمة واللطف والتوفيق ، وهو المراد من عدم هدايته له.
وقد أشار عليهالسلام بتقرير هذه المقدمة إلى أن الواجب عليكم أن تعلموا وتصدقوا بأن كل من آمن به فإنما آمن لأجل هدايته الخاصة ، وكل من
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٦٩.